في خطوة سياسية استفزت الرأي العام العربي والدولي، اجتمع عبدالله بن زايد، وزير الخارجية الإماراتي، يوم الجمعة في نيويورورك مع رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، على هامش أعمال الدورة الحالية للجمعية العامة للأمم المتحدة.
وفق البيان الرسمي، تناول اللقاء “التطورات الإقليمية الراهنة وجهود المجتمع الدولي لإنهاء الحرب في غزة”، حيث شدد عبدالله بن زايد على ضرورة وقف الحرب الدموية فورا، وتحقيق هدنة دائمة مع ضمان إدخال المساعدات الإنسانية دون عوائق.
سياق لقاء عبدالله بن زايد وتداعياته
يأتي هذا الاجتماع في ظرف بالغ الحساسية، مع استمرار الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة والتي أودت بحياة عشرات الآلاف، وفق تقارير حقوقية تتجاوز أعداد الشهداء الـ66 ألفا، إضافة إلى إصابات كبيرة ومعاناة إنسانية متزايدة.
من جهة، طرحت الإمارات، من خلال عبدالله بن زايد، موقفا معتدلاً يدعو إلى حماية المدنيين وإيقاف التصعيد، وهو ما نقله المتحدث باسم الخارجية الإماراتية في البيان الرسمي. ولكن في المقابل، أثار اللقاء اتهامات بأن الدولة تمنح الاحتلال الإسرائيلي غطاءً دبلوماسيا في وقت هو في أمس الحاجة إلى عزلة دولية، لا إلى شرعية إضافية.
وكما أشار مستشار الإمارات أنور قرقاش، قدم اللقاء باعتباره “خطوة شجاعة” للمساهمة في إنهاء الحرب، لكن وصفه هذا أثار سخرية وتساؤلات حول فعاليته الحقيقية في ظل التناقض الحاد بين الخطاب والواقع على الأرض.
في كلمته، أكد عبدالله بن زايد دعمه لحل الدولتين وحق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته، كما دعا إلى تعزيز قيم التسامح والتعايش. لكن هذا الطرح يبدو بعيدا عن الواقع الدموي في غزة، حيث يتواصل القصف ويُشرد المدنيون. كيف يمكن الحديث عن “التعايش” بينما مئات العائلات تحترق تحت الأنقاض؟
المفارقة أيضا أن الإمارات، بالرغم من تصريحها بضرورة وقف الحرب، لم تتخذ إجراءات جدية ضد الاحتلال؛ بل واصلت تعزيز علاقاتها الدبلوماسية مع تل أبيب، بدل أن تستخدم نفوذها لفرض عقوبات أو مقاطعة. في هذا الإطار، يُنظر إلى لقاء عبدالله بن زايد ونتنياهو كجزء من استراتيجية التطبيع التي بدأت منذ توقيع “اتفاقات إبراهيم” عام 2020، والتي تتعرض الآن لانتقادات حادة.
بل إن توقيت اللقاء، في ذروة المجزرة في غزة، يزيد من عمق الصدمة إذ يرسل رسالة بأن الإمارات لا ترى في جرائم الاحتلال مبررا لوقف قنوات الاتصال، بل ربما تشارك في إعادة تأهيل صورته السياساتية على المسرح الدولي.
المصداقية والسياسة الخارجية الإماراتية
ردود الأفعال على تصرفات نتنياهو لم تقتصر على الإعلام والمجتمع المدني، بل امتدت إلى أوساط سياسية عربية ودولية. انسحبت العديد من الوفود من جلسة خطاب نتنياهو احتجاجا على جرائم الحرب، بينما ظلت الإمارات من بين الدول القليلة التي استمعت بالكامل.
كما ظهرت تحذيرات بأن أبوظبي قد تعيد تقييم علاقاتها مع إسرائيل إذا مضت حكومتها في ضم الضفة الغربية، وهو ما تُعده الإمارات “خطا أحمر” قد يؤدي إلى خفض العلاقات أو تغيير طبيعتها.
من جهة أخرى، ربط بعض المحللين بين لقاء بن زايد ونتنياهو على هامش الاجتماع ومحاولات الإمارات أن تلعب دور الوسيط المقبول دوليا، حتى لو كان ذلك على حساب مواقفها المعلنة تجاه القضية الفلسطينية، في سعي لتثبيت مكانتها الدبلوماسية في مواجهة مواقف عربية أكثر تشدداً.
سياسيا وأخلاقيا، يُتوقع أن يترك اللقاء بريقا سلبيا على سمعة الإمارات في الأوساط العربية. ففي حين تسعى أبوظبي إلى أن تبرز نفسها كداعمة للاستقرار والسلام، فإن تواصلها مع قيادة إسرائيل في زمن المجازر يضعف رصيدها السياسي، ويُفقدها المصداقية في مواقفها المعلنة حيال فلسطين.
التصرفات الواقعية بعد اللقاء قد تكون أكثر أثراً من الكلمات: استمرار الخطوط المفتوحة مع الاحتلال، وعدم فرض ضغوط حقيقية أو مقاطعة، كلها تفسّر في العالم العربي على أنها ترجمة لسياسة براغماتية تتناقض جوهريا مع الشعارات.
لقاء بغطاء دبلوماسي أم خطوة سلام؟
إن اجتماع عبدالله بن زايد مع نتنياهو في نيويورك يعكس أكثر من مجرد تبادل دبلوماسي طارئ. هو مؤشر على أن الإمارات تختار في هذه اللحظة أن تلعب دورا نشطا في الساحة الإسرائيلية، حتى إذا كان ذلك على حساب موقف عربي متماسك ومطالب فلسطينية مؤجلة.
يُمكن القول إن هذا اللقاء كشف الوجه الحقيقي للتطبيع الإماراتي بعد “اتفاقات إبراهيم”: مكاسب سياسية لطرف على حساب دماء الفلسطينيين، ودعم ضمني أمام الضغط الدولي، بينما تتحول الدعوات إلى السلام إلى غطاء لتطبيع يخدم مصالح الاحتلال أكثر مما يخدم قضية الحرية.
ختاماً، يطرح السؤال نفسه: هل يمكن اعتبار عبدالله بن زايد محقا حين يدعو لوقف الحرب وسط هذه المعادلات؟ أم أن لقاءه مع نتنياهو يعد محاولة لشرعنة علاقة تعتبر اليوم فوق سقف القبول العربي، في وقت تموت فيه غزة يوميا؟
المصدر: مسقط 24
