في التاسع من سبتمبر 2025، نفذت إسرائيل ضربة جوية استهدفت قادة حركة حماس في العاصمة القطرية الدوحة، مُظهرةً للعالم أن السيادة الجوية الخليجية ليست حصناً منيعاً كما كان يُتصور.
عبر هذا الهجوم، تجلت فكرتان رئيسيتان: الأولى أن السيادة الجوية العربية، وخاصة الخليجية، مستباحة عملياً، والثانية أن التطبيع مع إسرائيل أو الضمانات الأمريكية لا توفران حماية مضمونة، وأن العدوان على قطر كشف هشاشة هذه التحالفات.
كيف انتهكت السيادة الجوية الخليجية
حسب تحليلات متعددة، يُعتقد أن الطائرات الإسرائيلية عبرت أجواء عربية، بعض التحليلات تقول أنها مرت من السعودية والبعض الآخر يقول أنها تجنبت الأجواء السعودية، ولكن الأهم أنها استطاعت العبور دون اعتراض فعلي في مسار يبلغ بين 1600 و1800 كيلومتر.
هذا العبور غير الممنوع – أو الممنوح ضمنياً – كشف أن وجود أنظمة دفاع جوي قوية ليس بالضرورة ضماناً للاحترام الفعلي للسيادة الجوية الخليجية، وأن التنسيق أو التعايش على الأقل مع تحركات إسرائيلية الآن يفترض أو يهادن به.
الهجوم في قلب الدوحة، عاصمة قطر، وهي عضو أساسي في مجلس التعاون الخليجي، يعتبر أول هجوم مباشر بهذا الحجم، ما جعله علامة فارقة في تاريخ الخليج والمنطقة.
فشل التطبيع والضمانات
التطبيع مع إسرائيل: في السنوات الأخيرة، دخلت بعض الدول الخليجية – مثل الإمارات والبحرين – في علاقات تطبيع رسمية مع إسرائيل (اتفاقيات “أبراهام”)، مع توسع في التعاون الأمني والاستخباراتي، وزاد الطموح لتوسيع دائرة التطبيع.
لكن الضربة على قطر تُظهر أن التطبيع لا يضع حدوداً عندما ترى إسرائيل أن هناك “هدفاً ضرورياً” من وجهة نظرها. فحتى الدول التي طبعت ولم تتعرض للهجوم مباشرة قد ترى أن حدود موقفها باتت أقل وضوحاً، وأن التطبيع لا يعني الحماية التلقائية من التعديات على السيادة الجوية الخليجية.
الضمانات الأمريكية: من جهة أخرى، الاعتماد على الولايات المتحدة كضامن أمني للعلاقة مع إسرائيل ولحماية الحلفاء في الخليج يتعرض الآن لنقد شديد. الهجوم الأخير على قطر، رغم كونها شريكاً استراتيجياً وتحتضن قواعد أمريكية، أثبت أن وجود علاقة قوية مع واشنطن لا يضمن عدم خرق السيادة الجوية الخليجية.
مراقبون يرون أن الثقة الأمريكية تضررت وأن دول الخليج قد تبدأ إعادة النظر في نماذج تحالفاتها الأمنية، وتعزيز قدراتها الذاتية، وربما البحث عن شركاء جدد، أو تنويع مصادر الضمانات.
السيادة الجوية الخليجية بين المبدأ والواقع
يُفرض الهجوم على الدوحة تساؤلات جذرية حول مفهوم السيادة الجوية الخليجية:
- هل يمكن لدول الخليج أن تضمن أن سماءها محصنة من أي تدخل عسكري خارجي، حتى من دول تعتبر “حلفاء” أو تمتلك علاقات رسمية معها؟
- ما مدى فعالية أنظمة الدفاع الجوي، والرصد، والمراقبة، إذا وجهت بتحركات جوية تخترق الأجواء دون اعتراض؟
- وكيف تؤثر هذه التعديات على الشرعية الدولية، وعلى سمعة الحكومات الخليجية داخلياً وخارجياً، خصوصاً أمام شعوب تطالب بحماية البلاد؟
ردود الفعل والتداعيات
استجابات خليجية وعربية
- إعلان عقد قمة عربية وإسلامية طارئة في الدوحة لبحث الرد والتنسيق بعد الضربة.
- تنديد رسمي واستنكار واسع لانتهاك السيادة القطرية من دول عديدة، إلى جانب التأكيد على أن أي عدوان على دولة خليجية يُعد تحدياً للكيان الخليجي ككل.
تداعيات على التحالفات
- شعور متزايد في الدول الخليجية بأن الضمانات الأمريكية هي ضمانات مشروطة أو متذبذبة، خصوصاً إذا ما ترافق الهجوم مع غياب إجراءات واشنطن الصارمة لمنع وقوعه.
- احتمال دفع دول الخليج لتعزيز قدراتها الذاتية في الدفاع الجوي، الاستطلاع، والمراقبة الفضائية، وربما إعادة النظر في سياسات التطبيع التي تحمل مخاطِر السيادة.
- تغيير في المواقف الشعبية والرسمية تجاه إسرائيل، وربما انحسار التطبيع إذا لم تُصاحب هذه العلاقات ضمانات واضحة للأمن السيادي.
ماذا يعني الأمر للسيادة الجوية الخليجية؟
من هذا الحدث، يتضح أن:
- السيادة الجوية الخليجية ليست مطلقة، وأنها عرضة للتحديات سواء من أطراف معادية أو حتى من أطراف يُنظر إليها كحلفاء أو شركاء.
- التطبيع مع إسرائيل أو الضمانات الأمريكية لا تكفي لحماية السيادة الجوية؛ فحين ترى إسرائيل أن منفعة ما تبرر انتهاكاً ما، فإنها قد تتصرف دون اعتبار كافٍ للدول التي تربطها بها علاقات.
- حماية السيادة الجوية الخليجية تحتاج إلى مزيج من:
- أدوات عسكرية وتقنية قوية دفاعية واستباقية.
- تنسيق خليجي مشدد بمعايير واضحة للدفاع الجماعي عند أي انتهاك.
- تنويع في التحالفات الأمنية، لا الاعتماد الحصري أو الكبير على طرف واحد.
- ضمانات دولية أكثر صرامة، وربما صيغة قانونية أو بروتوكول يضمن أن أي تطبيع أو تعاون من دول خليجية لا يعني التنازل عن السيادة الجوية.
المصدر: مسقط 24
