تسريب يفضح تدخل الامارات في حرب السودان

حرب السودان

كشف تسريب جديد من منصة دارك بوكس عن واحدة من أخطر عمليات الضغط السياسي التي شهدتها مؤسسات الاتحاد الأوروبي في السنوات الأخيرة، حيث نجحت الإمارات، وفق الوثيقة المسرّبة، في شطب اسمها بالكامل من مشروع قرار البرلمان الأوروبي حول حرب السودان.

وبحسب المنصة، كانت المسودة الأولية تتضمن اتهامات واضحة لدور أبوظبي في تزويد “قوات الدعم السريع” بالسلاح، قبل أن تنجح جهود الضغط الإماراتية في إسقاط كل فقرة قد تضعها موضع مساءلة أو تربطها بالانتهاكات التي شهدتها مدينة الفاشر ومناطق سودانية أخرى.

وتكشف الوثيقة أن الإمارات خاضت حملة ضغط واسعة داخل البرلمان الأوروبي، مستندة إلى أدوات دبلوماسية وتحالفات سياسية وشبكات نفوذ مالية اعتادت استخدامها في تعاملاتها مع العواصم والمؤسسات الغربية.

ورغم وجود تقارير دولية، منها ما صدر عن الأمم المتحدة، إضافة إلى صور أقمار صناعية ومسارات طيران عبر الصومال وليبيا وتشاد، تشير إلى وصول شحنات سلاح مرتبطة بالامارات إلى قوات الدعم السريع خلال العامين الماضيين، خرج القرار النهائي للبرلمان الأوروبي خالي تماما من أي ذكر لها.

أفاد التسريب بأن السلطات الاماراتية كانت تدرك تماماً أن صدور قرار رسمي من البرلمان الأوروبي يتهمها بدعم ميليشيا متهمة بارتكاب مجازر بحق المدنيين في السودان سيشكّل صفعة قوية لصورتها الدبلوماسية في الغرب، وقد يضع استثماراتها الضخمة ومشاريعها التجارية مع الاتحاد الأوروبي تحت تهديد مباشر.

وبحسب الوثيقة، تحركت أبوظبي بسرعة وبحزم، مستخدمة أدوات نفوذ باتت تتجاوز حدود التأثير السياسي التقليدي، لتتحول إلى شبكة ضغط قادرة على إعادة تشكيل مواقف ومخرجات داخل مؤسسات الاتحاد الأوروبي نفسها.

وفد برئاسة السفيرة لانا نسبية 

كشف التسريب أيضاً عن حضور بارز لاسم السفيرة الإماراتية لانا نسيبة، التي ترأست وفداً دبلوماسياً وصل إلى بروكسل قبل أيام قليلة من موعد التصويت. وبحسب ما ورد، خاضت نسيبة وفريقها سلسلة اجتماعات مكثّفة شملت رؤساء لجان برلمانية ونواباً من كتل سياسية وازنة، إضافة إلى مسؤولين في الأمانة العامة للبرلمان، في تحرك بدا منظَّماً وذا هدف واحد: حذف أي إشارة تربط الإمارات بدعم قوات الدعم السريع.

الامارات تدعم قوات الدعم السريع

وتشير الوثيقة المسربة إلى أن البعثة الاماراتية دخلت في سباق مع الوقت لعرقلة تعديلات قدّمها عدد من النواب، كانت تدعو إلى تجميد المفاوضات التجارية مع أبوظبي وفرض عقوبات على الجهات التي تمد الدعم السريع بالسلاح، مع تسمية الدول المتورطة بشكل صريح.

لكن ما حدث لاحقاً كان لافتاً، فخلال 48 ساعة فقط، تبخرت تلك التعديلات من المسودة، وصدرت النسخة النهائية للقرار بلغة فضفاضة تكتفي بالإشارة إلى معاقبة الأطراف الخارجية المتورطة في حرب السودان، من دون أي ذكر للامارات.

صمت اوروبي مقابل المال الاماراتي

اعتبرت شخصيات سياسية سودانية أن الصياغة التي خرج بها البرلمان الأوروبي ليست سوى صمت مدفوع الثمن، في إشارة إلى أنّ النفوذ المالي والسياسي للامارات بات قادراً على ثني ذراع المؤسسة التشريعية الأوروبية، حتى في أكثر الملفات حساسية والمتعلقة بجرائم حرب السودان الموثقة.

ففي الوقت الذي كانت فيه منظمات حقوقية تطالب بفتح تحقيقات واسعة حول مصادر تمويل جرائم قوات الدعم السريع، كان دبلوماسيون اماراتيون، ينشطون في بروكسل للمساهمة في ضبط الصياغة النهائية للقرار، سطراً بسطر.

وتبرز المفارقة بوضوح في أن القرار نفسه أدان الجرائم التي ارتكبتها قوات الدعم السريع في الفاشر، لكنه توقف عند الخط الأحمر: لم يسم أي جهة ممولة، واكتفى بلغة عامة حول الأطراف الخارجية. وهو ما اعتبره محللون انتصار كبير للنفوذ الاماراتي داخل واحدة من أقوى المؤسسات التشريعية في أوروبا.

الامارات تمول حرب السودان

رأت شخصيات سياسية سودانية أن الصياغة التي اعتمدها البرلمان الأوروبي في قراره الأخير تبدو بمثابة صمت مشترى بالمال، في إشارة إلى أن النفوذ المالي والسياسي لـ أبوظبي بات قادراً، على التأثير في مخرجات واحدة من أهم المؤسسات التشريعية في أوروبا، حتى في القضايا المرتبطة بجرائم حرب موثقة.

وبينما كانت منظمات حقوقية تضغط باتجاه فتح تحقيقات شاملة حول مصادر تمويل الانتهاكات التي تُتهم بها قوات الدعم السريع، كان دبلوماسيون إماراتيون، ينشطون في بروكسل للمشاركة في صياغة النسخة النهائية للقرار، بنداً بعد آخر.

وتتجلى المفارقة في أنّ القرار الأوروبي أدان بوضوح الفظائع التي ارتكبتها قوات الدعم السريع في الفاشر، لكنه تجنب الخوض في مسألة الجهات التي قد تكون موّلتها، مكتفياً بتوصيف عام عن “الأطراف الخارجية المتورطة في النزاع”. وهو ما اعتبره مراقبون مؤشراً على نجاح كبير للنفوذ الاماراتي داخل الأروقة البرلمانية الأوروبية.

دعوات لمقاطعة الامارات

وتكشف الوثيقة المسربة عن صورة قاسية لآلية صناعة القرار الدولي في زمن تتشابك فيه المصالح مع النفوذ المالي. فالبرلمان الأوروبي، الذي يُفترض أن يتخذ موقفاً حاسماً تجاه الجهات المتورطة في تسليح الميليشيات، انتهى إلى قرار بلغة محايدة أقرب إلى المسايرة، بما يرضي جميع الأطراف، خصوصاً تلك القادرة على ممارسة الضغط والتأثير.

وبينما وصفت البعثة الاماراتية الصياغة النهائية بأنها متوازنة، رأى مسؤولون سودانيون أن أوروبا أدارت ظهرها للشعب السوداني، معتبرين أن القرار جرى تفريغه من مضمونه الأساسي لحماية دولة تتهمها تقارير دولية بالتورط في الصراع.

وتشير الوثيقة إلى أن حرب السودان لم تعد مجرد مواجهة عسكرية بين جيش نظامي وميليشيا، بل تحولت إلى ساحة صراع نفوذ دولي تُستخدم فيها التحالفات والعلاقات والأموال لإعادة صياغة الرواية نفسها، ويوحي التسريب بأن الامارات، رغم الاتهامات والتقارير التي تطال دورها، ما زالت تملك القدرة على التأثير في الموقف الأوروبي وإبقاء أصوات الانتقاد داخل المؤسسات الأوروبية عند الحدود الدنيا.

مصدر: مسقط برس + الجزيرة

→ السابق

وزير خارجية قطر: خرق اسرائيل للهدنة يهدد باشعال الحرب مجددا

اترك تعليقاََ

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

الأكثر قراءة