في الخامس عشر من مايو من كل عام يستذكر الفلسطينيون والعرب ذكرى النكبة – النكبة المستمرة من تهجير 1948 إلى إبادة غزة اليوم- حيث شهد عام 1948 تهجيرا قسريا لما يقرب من 750,000 فلسطيني، وتدمير أكثر من 500 بلدة وقرية، وتأسيس دولة الاحتلال الإسرائيلي على أنقاض فلسطين التاريخية.
لم تكن النكبة مجرد حدث عابر، بل كانت بداية سلسلة من الحروب والاتفاقيات والمآسي التي ما زالت تتوالى حتى يومنا هذا، حيث تُعد غزة اليوم رمزا للصمود ومقياسا للعروبة والإنسانية.
تهجير 1948 إلى إبادة غزة
في عام 1948، ومع إعلان قيام دولة إسرائيل، بدأت عمليات تهجير واسعة النطاق للفلسطينيين، حيث تم طرد أكثر من 80% من السكان العرب من أراضيهم، وتدمير مئات القرى والبلدات. شهدت تلك الفترة مجازر مروعة، مثل مجزرة دير ياسين، التي راح ضحيتها مئات المدنيين، وكانت تهدف إلى بث الرعب ودفع السكان إلى الفرار. تم استخدام أساليب متعددة، منها الحرب النفسية، والقتل الجماعي، والاغتصاب، والنهب، لتفريغ الأرض من سكانها الأصليين.
الحروب والاتفاقيات: نتائج النكبة المستمرة
منذ النكبة، شهدت المنطقة العديد من الحروب والاتفاقيات التي كانت في جوهرها محاولات لتثبيت واقع الاحتلال:
- اتفاقية كامب ديفيد (1978): أول اتفاقية سلام بين إسرائيل ودولة عربية (مصر)، أدت إلى انسحاب إسرائيل من سيناء، لكنها لم تُنهِ الاحتلال في الأراضي الفلسطينية.
- اتفاقية أوسلو (1993): أُبرمت بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل، وأدت إلى إنشاء السلطة الفلسطينية، لكنها لم تحقق الدولة الفلسطينية المستقلة، واستمر الاستيطان الإسرائيلي.
- معاهدة وادي عربة (1994): اتفاقية سلام بين إسرائيل والأردن، أنهت حالة الحرب بين البلدين، لكنها لم تُحدث تغييرا جوهريا في الوضع الفلسطيني.
- اتفاقيات أبراهام (2020): تطبيع العلاقات بين إسرائيل وبعض الدول العربية، مثل الإمارات والبحرين، دون تحقيق تقدم في القضية الفلسطينية، مما أثار انتقادات واسعة.
كل هذه التطورات كانت نتائج مباشرة لحرب 1948، ومحاولات لتثبيت واقع الاحتلال وتهميش الحقوق الفلسطينية.
غزة بين رمزا للصمود والإبادة
تُعد غزة اليوم رمزا للصمود والمقاومة، ومقياسا للعروبة والإنسانية. رغم الحصار المستمر منذ أكثر من 15 عاما، والعدوانات المتكررة، يواصل سكان غزة الحياة بإصرار وعزيمة.
حصيلة الضحايا: في العدوان الأخير ووفقا لوزارة الصحة الفلسطينية في غزة، ارتفعت حصيلة الشهداء منذ بدء العدوان في 7 أكتوبر 2023 حتى 21 مايو 2025 إلى 53,655 شهيدا، بالإضافة إلى 121,950 إصابة. من بين هذه الأعداد، سُجلت 3,509 شهداء و9,909 إصابات منذ استئناف العدوان في 18 مارس 2025.
تشير التقارير إلى أن من بين الشهداء أكثر من 16,200 طفل، مما يعكس حجم جرائم الاحتلال الإسرائيلي.
حجم الدمار: منذ النكبة، يعاني الفلسطينيون من الاحتلال والتهجير والقتل والاعتقال. في غزة، تفاقمت المعاناة مع الحصار والعدوانات المتكررة، حيث تعرضت المباني السكنية والمستشفيات والمدارس والمساجد للتدمير. وتظهر البيانات المتاحة أن العدوان الإسرائيلي تسبب في تدمير واسع للبنية التحتية في غزة:
- 88% من قطاع غزة تعرض للدمار، مما أدى إلى تدمير كامل للمدن والبنية التحتية الأساسية.
- تم تدمير أكثر من 141,000 وحدة سكنية تدميرا كليا، وتعرضت 270,000 وحدة أخرى لأضرار كبيرة أو جزئية.
- تضررت أكثر من 80% من المرافق التجارية، مما أدى إلى شلل اقتصادي واسع النطاق.
- تم تدمير حوالي 68% من شبكة الطرق، مما أعاق حركة التنقل والإمدادات الإنسانية.
- دُمرت 717 بئر مياه، و330,000 متر طولي من شبكات المياه، و655,000 متر طولي من شبكات الصرف الصحي، مما أدى إلى أزمة صحية وبيئية حادة.
بلغت الخسائر الاقتصادية المباشرة 37 مليار دولار، مما يعكس حجم الكارثة الاقتصادية التي لحقت بالقطاع.
الوضع الإنساني الراهن: تشير التقارير إلى أن 90% من سكان غزة البالغ عددهم 2.1 مليون نسمة قد نزحوا من منازلهم بسبب القصف المستمر، حيث نزح بعضهم “نحو 10 مرات أو أكثر”. كما حذرت الأمم المتحدة من أن 14,000 طفل قد يواجهون خطر الموت خلال 48 ساعة إذا لم يتم السماح بدخول المساعدات الإنسانية بشكل عاجل.
تُظهر هذه الإحصائيات حجم الكارثة الإنسانية التي يعاني منها قطاع غزة، وتُبرز الحاجة الماسة إلى تدخل دولي عاجل لوقف العدوان وتقديم المساعدات الإنسانية اللازمة.
ختاماً، النكبة ليست مجرد ذكرى، بل هي نكبة مستمرة من تهجير 1948 إلى إبادة غزة. وهو واقع مستمر يعاني منه الفلسطينيون يوميا. إن العدوان المستمر على غزة، والمعاناة التي يعيشها الفلسطينيون في كل مكان، تتطلب وقفة جادة من المجتمع الدولي والعربي. يجب العمل على إنهاء الاحتلال، وتحقيق العدالة، وضمان حقوق الفلسطينيين في العودة وتقرير المصير. غزة، بصمودها وتضحياتها، تذكرنا دوما بأن القضية الفلسطينية هي قضية إنسانية وعادلة، تستحق الدعم والمساندة حتى تحقيق الحرية والاستقلال.
المصدر: مسقط 24
