في خطوة أثارت جدلاً واسعاً، أعلن المنتج التنفيذي السابق في برنامج 60 دقيقة لدى شبكة CBS News، بيل أوينز، استقالته مطلع نيسان/أبريل 2025، موضحاً أن سبب خروجه يعود إلى ما وصفه بـ”انعدام القدرة على اتخاذ قرارات مستقلة” داخل برنامج “60 دقيقة”.
يعد هذا الحدث منعطفاً هاماً ليس فقط بالنسبة إلى برنامج 60 دقيقة، بل أيضاً في النقاش حول مدى استقلالية الإعلام التلفزيوني الأميركي ومدى تأثره بالضغوط التجارية والسياسية.
برنامج 60 دقيقة هو أحد أعمدة الصحافة التلفزيونية الأميركية، حيث أطلق للمرة الأولى عام 1968 وامتد ليصبح مرجعية لبرامج التحقيقات التلفزيونية. وخلال العقود الماضية ارتبط اسمه بالتغطيات الاستقصائية الجريئة، وزاد من سمعته كمنبر رئيسي في الإعلام الأميركي.
لماذا استقال منتج برنامج 60 دقيقة
بحسب ما أفاد به المنتج بيل أوينز، فإن البرنامج تعرض لضغوط متزايدة من قبل الشركة الأم Paramount Global (مالكة شبكة CBS)، تضمنت توجيهات بإيقاف أو تحجيم تغطية الحرب في غزة وتغطية الرئيس الأميركي دونالد ترامب.
وفي رسالة داخلية أرسلها إلى فريق العمل، أوضح أوينز أنه “لم يعد يسمح لي بأن أدير البرنامج كما اعتدت، لاتخاذ القرارات التي تخدم برنامج 60 دقيقة والجمهور”.
وحسب ما ذكر، فقد تلقى رسالة مفادها: “لن تقوموا بقصة أخرى عن غزة، أليس كذلك؟” بعد بث حلقة احتوت مقابلات لمسؤولين سابقين في وزارة الخارجية الأميركية انتقدوا سياسة إدارة بايدن إزاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
ولم يفصل فقط في ما يخص غزة، بل أيضاً أشار إلى أن الإدارة العليا في الشركة كانت حذرة للغاية عند تناول اسم ترامب أو قضية مرتبطة به في البرنامج.
تداعيات القرار
الاستقالة تركت فراغاً في مكانة البرنامج، وأثارت تساؤلات حول ما إذا كان برنامج 60 دقيقة ما يزال قادراً على أداء دوره كمؤسسة صحفية مستقلة. ففي مقابلة تلفزيونية، وصف أحد مذيعي البرنامج أن القسم الصحفي أصبح “غير سعيد” بما يحدث.
وعند بث الحلقة التي تناولت الموضوع علناً، قال المذيع: “لم يحظر أي تقرير حتى الآن، لكن بيل شعر أنه فقد الاستقلالية التي تتطلبها الصحافة الحقيقية”.
إضافة إلى ذلك، فإن البرنامج بات ضمن دائرة الخلاف مع جهة قضائية، فقد رفع ترامب دعوى قيمتها تقدر بـ 20 مليار دولار ضد شبكة CBS بسبب مقابلة بُثت في البرنامج، متهماً التحرير بأنها منحازة. وهو الأمر الذي أضاف مزيداً من الضغط على البرنامج من جهة الشركة المالكة، حيث ورد أن الهدف كان ضمان موافقة هيئة الاتصالات الفيدرالية الأميركية (Federal Communications Commission) على اندماج بين Paramount وSkydance Media.
العلاقة بين السلطة والإعلام والمال
ما كشفه أوينز عن برنامج 60 دقيقة يعكس ظاهرة أوسع: حيث يمكن أن تتداخل مصالح الشركات الإعلامية الكبرى مع السياسة والتمويل، ما يضع الصحافة في موقع حساس بين خدمة الجمهور وبين تلبية مصالح المساهمين أو الجهات السلطوية.
وفي هذا الإطار، أشارت مقالات تحليلية إلى أن ما حصل في البرنامج قد يعتبر “نقطة تحول” في عمل شبكة CBS News، حيث أصبح المنتج الصحفي تحت رقابة أكثر مباشرة من جانب الإدارة وشركة الملكية.
وهذا يطرح السؤال: هل برنامج 60 دقيقة أو أي برنامج مماثل يمكنه فعلاً أن يظل مستقلاً في بيئة تتداخل فيها السياسة والاقتصاد والإعلام؟
وهنا رأى مراقبون أن استقالة أوينز من البرنامج هي “جرس إنذار” للمؤسسات الإعلامية الأميركية، لأن رسالة الاستقالة تقول بأن الصحفي لم يعد حراً في عمله.
وأما من جهة المتخصصين، يعتبر أن حرية التحرير والصحافة أصبحت مهددة عندما يبدأ المال أو الضغط السياسي في توجيه ما يعرض على المشاهدين، وهو ما يبدو أن برنامج “60 دقيقة” واجهه.
وفي مقال رأي، كُتب أن ما حصل بالبرنامج “أمر مهم فعلاً” في سياق حرية الصحافة، واعتبر أن المشهد أصبح أقل وضوحاً فيما يتعلق بمدى ما يليه الجمهور وما يمنع أو يخفف لسبب تجاري أو سياسي.
ما القادم لبرنامج 60 دقيقة؟
رغم الاستقالة، أكد بيل أوينز أن البرنامج سيستمر، وقال: “البرنامج كبير جداً لهذا البلد ليوقف”. إلى ذلك، أشار إلى أنه لا ينوي التقاعد، بل يبحث عن “مؤسسات تمويل صحفي” لبدء عمل جديد.
لكن يبقى التحدي قائماً للرنامج: كيف يستعيد ثقة المشاهدين بأن تغطيته ليست مقيدة أو خاضعة لتدخلات؟ وهل سيتمكن من إعادة بناء استقلاليته التحريرية؟
ختاماً، إن ما جرى في برنامج 60 دقيقة لا يعد مجرد استقالة شخصية أو تغيير إداري، بل هو إشارة قوية إلى أن المؤسسات الإعلامية الكبرى قد تواجه لحظة اختبار حقيقية في موازنة واجبها الاجتماعي نقل الحقيقة إلى الجمهور وبين الضغوط الاقتصادية والسياسية التي تحيط بها.
ويبقى برنامج 60 دقيقة علامة بارزة في تاريخ الإعلام الأميركي، وسينظر إلى ما حصل فيه كدرس في كيف يمكن لحرية الصحافة أن تختبر من داخل منظومة المال والسلطة. وأياً كانت النتيجة، فإن المشاهد والمراقب سيبقى يطرح السؤال: هل ما نشاهده في برنامج “60 دقيقة” هو ما يختار لنا لنشاهده؟ أم ما اختار أن نراه؟
المصدر: مسقط 24
