في خطوة نادرة وملفتة على الصعيد السياسي الدولي، قدم وزير الخارجية الهولندي كاسبار فيلدكامب، مع تسعة وزراء من حزبه العقد الاجتماعي الجديد (New Social Contract–NSC)، استقالاتهم احتجاجا على رفض الحكومة الهولندية اتخاذ موقف حازم ضد الانتهاكات الإسرائيلية في غزة.
هذه الاستقالة الجماعية لم تكن مجرد تصعيد سياسي داخلي، بل شكلت موقفا أخلاقيا فريدا يُسلط الضوء على التضامن الحقيقي مع المدنيين الفلسطينيين، ويطرح تساؤلات حول قدرة المسؤولين على ترجمة المبادئ الإنسانية إلى خطوات عملية ملموسة.
موقف جريء من وزير الخارجية الهولندي
القرار الجريء: استقالة فيلدكامب جاءت في 23 أغسطس 2025، بعد أن فشل في تمرير مقترحاته داخل الحكومة للتصدي للانتهاكات الإسرائيلية في غزة فشل القبول لتنفيذ “إجراءات إضافية ذات مغزى”؛ مما دفعه إلى القول إنه “غير قادر على تنفيذ ما يراه ضروريا سياسيا”.
حزمة المقترحات: شملت فرض عقوبات، حظر صادرات السلاح، حظر منتجات المستوطنات، ودعم مراجعة الاتفاقيات التجارية، بالإضافة إلى حظر دخول وزراء إسرائيليين متطرفين مثل إيتامار بن غفيروبيزاليل سموتريتش.
انسحاب جماعي: لم تقتصر الاستقالة على فيلدكامب بل شملت وزراء وحكام الحزب بأكمله، مما ترك الحكومة العرجاء بلا ثقل NSC في ظل المراحل الانتقالية حتى الانتخابات المرتقبة في أكتوبر.
الضغط الشعبي: وابل من الاحتجاجات تشمل مئات الآلاف المتظاهرين في الشوارع، أبرزها مظاهرات “الخط الأحمر” في لاهاي، مطالبين بسياسة خارجية أكثر عدلاً للقضية الفلسطينية.
الأوساط الدولية: اللافت أن هذه الاستقالة نُظر إليها كتحرك أخلاقي فريد في سياق صمت رسمي واسع تجاه الأزمة الإنسانية في غزة، وتزامنت مع إعلان مناطق من القطاع تحت ظروف مجاعة وفق.
وزير الخارجية الهولندي مقارنة بالقادة العرب
المثير للانتباه أن هذه الخطوة جاءت في وقت يشهد فيه العالم صمتا رسميا واسع النطاق تجاه ما يجري في غزة، وهو صمت يتناقض بشكل لافت مع المواقف العربية الرسمية التي غالبا ما تكتفي بالتنديد الرمزي والاستنكار، دون اتخاذ أي إجراءات فعلية لضغط على إسرائيل أو حماية المدنيين الفلسطينيين.
| المحور | وزير الخارجية الهولندي وحزبه | بعض القادة والحكومات العربية |
| الموقف السياسي | استقالة احتجاجا على غياب الخيارات السياسية الفعلية | تصريح بالتنديد أو الاستنكار فقط دون تنفيذ عقوبات فعلية |
| التحرك الفعلي | مقترحات محددة: عقوبات، حظر تصدير، مراجعة اتفاقات تجارة | غالبا لا خطوات ملموسة، وأحيانا تعاون أمني واقتصادي تحت الطاولة |
| الدوافع | إنسانية وقانونية: رؤية مباشرة للمأساة في غزة | مصالح أمنية واستراتيجية؛ بعض الدول تراخت رغم التضامن بالتصريحات |
| النتيجة السياسية | أزمة حكومية كاملة واستقالة جماعية | استمرار السلطة والتطبيع رغم الغضب الشعبي |
أمثلة واقعية:
دول عربية عديدة اقتصرت على “بيانات استنكار”، ولم تتبع ذلك بخطوات حقيقية ضغط سياسي على إسرائيل. كما أن بعض الحكومات أو رؤساء دولهم دخلوا في اتفاقيات سلام رسمية، أو تفاهمات أمنية واقتصادية سرية، رغم استمرار الاعتداءات في غزة، ما يدل على تجاوز الخطاب الرمزي لمواجهة مصالح آنية.
أبرز مثال واقعي هو الإمارات:
- الاتفاقيات والتطبيع: الإمارات كانت أول دولة خليجية تطبع العلاقات رسميا مع إسرائيل ضمن اتفاقات أبراهام عام 2020، وهي علاقة معتمدة على المصالح الاقتصادية والأمنية، مع توجيه رسالة دعم ضمني للقضية الفلسطينية بأن الاتفاق يعزز السلام والمنظور لحل الدولتين.
- استمرارية التطبيع بالرغم من الحرب: رغم الأزمة الإنسانية في غزة، لم تتراجع الإمارات عن علاقاتها مع إسرائيل. الخبرات الاقتصادية والتعاون الأمني بقي سائدا.
المواقف يخلدها التاريخ
- التضامن من موقع القوة السياسية: لم يقتصر على الكلام ولكن من موقع اتخاذ القرار الحكومي.
- الربط بين السياسة والقانون الدولي: ربط بين الحظر على وزراء محددين والاتفاقيات التجارية بناءً على انتهاكات مستمرة.
- تضامن شعبي فعلي: الاحتجاجات الضخمة تعكس وعيا شعبيا بعدم الاكتفاء بالتنديد السياسي وحده.
ختاماً، إن استقالة وزير الخارجية الهولندي، مع حملة وزراء NSC، شكلت لحظة جدالية نادرة إذ خرج فيها مسؤول حكومي عن المألوف السياسي لعدم قبوله الاستمرار بدعم سياسة “صمت رمزي” ضد جرائم حرب إسرائيلية، موقف يستحق القراءة كدرس سياسي وأخلاقي في زمن تُوصف فيه المواقف بـ”الفراغ السياسي”.
في المقابل، فإن القادة والحكومات العربية اليوم غالبا ما تختار الخطاب فوق العمل، وتوازن بين التضامن اللفظي والمصالح السياسية والاقتصادية، أحيانا على حساب مبادئ حقوق الإنسان. وزير الخارجية الهولندي وضع معيارا لم يعد يُرى كثيرا في المشهد السياسي الدولي.
بهذا السياق، تُظهر استقالة وزير الخارجية الهولندي الفارق الجوهري بين الخطاب الأخلاقي الفعلي والحدود السياسية العملية، مقارنة بالمواقف العربية التي تراوح بين التطبيع الرسمي والتدخل الدبلوماسي المحدود، ما يفتح الباب لمناقشة أعمق حول المسؤولية السياسية والأخلاقية في مواجهة انتهاكات حقوق الإنسان على المستوى الدولي والإقليمي.
المصدر: مسقط 24
