اقتصاد المملكة السعودية: عجز الموازنة يتجاوز التوقعات!

اقتصاد المملكة السعودية

أظهرت أحدث المعطيات الرسمية أن عجز الموازنة لاقتصاد المملكة السعودية سيرتفع إلى 5.3٪ من الناتج المحلي الإجمالي لعام 2025، وهو ما يتجاوز بكثير التقدير المبدئي البالغ 2.3٪، ما أثار جدلاً واسعا حول قدرة المملكة على تحقيق استقرار مالي وسط مشاريع ضخمة وإنفاق غير متوازن.

لهذا العجز تأثير كبير على رؤية السعودية القائمة على وعود بالتحول من اقتصاد ريعي إلى اقتصاد متنوع. لكن الأرقام تكشف عدم الثبات في المضي نحو هذه الرؤية فالمملكة لا تزال أسيرة النفط والمشاريع الضخمة التي لم تجذب بعد الاستثمارات الموعودة.

اقتصاد المملكة السعودية: أسباب تفاقم العجز

تراجع الإيرادات النفطية: يبقى قطاع النفط العمود الفقري لميزانية السعودية، لكن تراجع أسعار الخام وتقليص الإنتاج ضمن تحالف “أوبك+” أسفرا عن إيرادات أقل بكثير من التوقعات. خلال الربع الثاني من 2025، هبطت أرباح أرامكو بنحو 22٪ مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي.

كما أظهرت بيانات الربع الأول أن الإيرادات النفطية انخفضت بنسبة تقترب من 18٪، ما خفض مساهمة القطاع في إجمالي الإيرادات إلى حوالي 56٪ فقط. هذا الانخفاض النمطي يُذكر بأن اقتصاد المملكة السعودية لا يزال يعاني من اعتماد مفرط على عوائد النفط.

الإنفاق الكبير على المشروعات الضخمة: في مقابل تراجع الإيرادات النفطية، تستمر الحكومة في تمويل مشاريع عملاقة مثل نيوم والمطار الجديد في الرياض، بالإضافة إلى مشروعات ترفيهية وسياحية ضخمة. هذه الاستثمارات، رغم طابعها الطموح، غالبا ما تُمارس بنمط “إنفاق تسويقي” أكثر منه إنتاجي، ما يفاقم من ضغوط الخزينة بدلاً من أن يدعم اقتصاد المملكة السعودية.

هذه المشاريع كانت أحد محاور رؤية 2030، التي تُروج كتحول من اقتصاد ريعي إلى اقتصاد متنوع، لكن الأرقام تكشف أن التنفيذ لا يزال أقل بكثير من الطموح.

اقتصاد السعودية

التداعيات على اقتصاد المملكة 

زيادة الدين العام وضغط التمويل: مع استمرار العجز بهذا الحجم، ستكون المملكة مضطرة إلى اللجوء إلى الاقتراض سواء داخليا أو خارجيا لتمويل العجز. هذا يعني ارتفاع خدمة الدين وتكاليف الفوائد، مما يثقل كاهل الموازنة ويقيد القدرة على الإنفاق التنموي، وبالتالي يضعف اقتصاد المملكة السعودية في المدى المتوسط.

فقدان الثقة لدى المستثمرين: العجز الكبير يبعث إشارات سلبية إلى المستثمرين الأجانب والمحليين بشأن قدرة الدولة على إدارة السياسات المالية. قد يرفع المستثمرون مطالبهم بعوائد أعلى لتعويض المخاطر، مما يزيد كلفة رأس المال ويُصعب جذب المشاريع الخاصة التي يُفترض بها أن تدعم اقتصاد المملكة السعودية الجديد.

ضغوط اجتماعية: للتعويض عن العجز المتزايد، قد تضطر الدولة إلى خفض الدعم ورفع الضرائب، ما ينعكس على المواطنين، وخصوصا الفئات الأضعف، بزيادة تكاليف المعيشة، وارتفاع معدلات الفقر والبطالة. هذه الخطوة لو طُبقت قد تكون معقدة سياسيا، لكنها قد تصبح ضرورة لتهدئة اقتصاد المملكة السعودية المتأزم.

تحدي التنويع: رغم جهود الإصلاح، تواصل المؤشرات تأكيد أن الاعتماد على النفط لا يزال قائما بعمق. ورغم أن الإيرادات غير النفطية شهدت ارتفاعا، في الربع الثاني من 2025 حيث نمت بنسبة حوالي 7٪، إلا أن هذه الزيادة لم تكن كافية لتعويض انهيار النفط. هذا يضع اقتصاد المملكة السعودية أمام اختبار حقيقي لقدرة التنويع.

تقييم الأسلوب المالي: تتوقع وزارة المالية أن العجز سيتراجع إلى 3.3٪ من الناتج المحلي في 2026، لكنه سيظل مرتفعا مقارنة بالمعايير المستدامة.

كما يشير تقرير صندوق النقد الدولي إلى أن العجز عام 2025 قد يصل إلى نسبة أقل (بعض التقديرات تقول 4.3٪) إذا جرى ضبط الإنفاق أو تحول الإيرادات الخارجية. ويُتوقع أن تنخفض نسبة العجز تدريجيا في السنوات التالية، دون ضمان أن الأموال الحالية ستستخدم لتحقيق نمو حقيقي أو إصلاحات هيكلية، مما قد يضر باقتصاد المملكة السعودية على المدى الطويل.

التوصيات

إصلاح الإنفاق وإعادة ترتيب الأولويات: يجب تحكيم الكفاءة ووقف تمويل المشاريع غير المجدية، والتركيز على مشروعات ذات عوائد اقتصادية واضحة. هذا سيخفف العبء على اقتصاد المملكة السعودية دون تعطيل التنمية.

تعزيز الإيرادات غير النفطية بجدية: توسيع القاعدة الضريبية، فرض ضرائب على التركات أو الأراضي غير المستغلة، ودعم القطاعات الواعدة مثل السياحة والصناعات المتقدمة، لتخفيف الاعتماد على النفط ودعم اقتصاد المملكة السعودية المستقبلي.

إدارة الدين بحذر وشفافية: التنويع في أدوات الاقتراض، واستخدام الاحتياطيات بحكمة، وتبني إطار لإدارة الأصول والالتزامات للحفاظ على استدامة الدين، وبالتالي حماية اقتصاد المملكة السعودية من تقلبات السوق.

تحسين بيئة الاستثمار والحوكمة: لابد من خطوات ملموسة لتعزيز الثقة، مثل الشفافية، تسهيل الإجراءات، وحماية المستثمرين، لكي يكون القطاع الخاص شريكا فعليا في بناء اقتصاد المملكة السعودية أكثر تنوعا.

ختاماً، مع إعلان نسبة العجز بمقدار 5.3٪ من الناتج المحلي، بات واضحا أن اقتصاد المملكة السعودية يواجه ضغوطا كبيرة. المشاريع العملاقة التي يفترض أنها عماد رؤية 2030 أصبحت عبئا ثقيلا على الخزينة، والإيرادات النفطية المتقلصة تفاقم الوضع المالي. إذا غاب الإصلاح الحقيقي، فإن السنوات المقبلة قد تشهد إجراءات صعبة وسياسات تقشفية تؤثر على الاستقرار الاجتماعي والنمو الاقتصادي. لكن فرص الخروج ما زالت قائمة في حال اتخاذ خطوات جريئة نحو ضبط الإنفاق وتنمية الإيرادات غير النفطية وتعزيز دور القطاع الخاص.

المصدر: مسقط 24

→ السابق

صمود المقاومة الكبير يُفشل أهداف الاحتلال ويفرض وقف النار

التالي ←

ملتقى مسقط الثالث يناقش “التهاب الجلد التماسي التحسسي”

اترك تعليقاََ

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

الأكثر قراءة