في السنوات الأخيرة، برز التدخل الإماراتي في التعليم الفلسطيني حيث شهدت الساحة الفلسطينية تدخلات خارجية متزايدة تهدف إلى إعادة تشكيل المناهج التعليمية بما يتماشى مع أجندات سياسية بعيدة عن تطلعات الشعب الفلسطيني.وذلك تحت ذرائع مثل “مكافحة التحريض” و”تعزيز التسامح”. إلا أن هذه المساعي تثير تساؤلات حول الأهداف الحقيقية وراءها، خاصة في ظل التطبيع المتسارع بين الإمارات وإسرائيل.
منذ توقيع اتفاقيات إبراهيم في أغسطس 2020، بدأت الإمارات في تعزيز علاقاتها مع إسرائيل على مختلف الأصعدة، بما في ذلك المجال التعليمي. فقد أعلنت السلطات الإماراتية عن نيتها تعديل المناهج الدراسية لتشمل مفاهيم جديدة مثل “التسامح” و”التعايش”، مع التركيز على تقديم إسرائيل كدولة صديقة وليس كقوة احتلال. هذا التوجه يثير مخاوف من محاولة إعادة تشكيل الوعي الجمعي العربي، وخاصة الفلسطيني، بما يخدم الرواية الإسرائيلية للصراع.
التدخل الإماراتي في التعليم الفلسطيني
منذ سنوات، تمارس الإمارات ضغوطاً على السلطة الفلسطينية والممولين الدوليين لربط المساعدات المالية بشروط تتعلق بتعديل المناهج التعليمية. فقد اشترط الاتحاد الأوروبي سابقا، بدفع من تقارير صادرة عن مؤسسات إسرائيلية مثل “IMPACT-SE”، إزالة محتوى يعتبر “محرضاً” من المناهج الفلسطينية، بما في ذلك مصطلحات مثل “شهيد” و”الاحتلال” و”حق العودة”.
هذا الضغط يعد جزءاً من استراتيجية أوسع تهدف إلى إعادة صياغة الرواية الفلسطينية للصراع، وتحويلها إلى سردية “محايدة” تغفل السياق التاريخي والحقوق الوطنية المشروعة.
وتشمل التعديلات المقترحة على المناهج الفلسطينية إزالة أو تعديل المحتوى الذي يعتبر “محرضاً”، مثل تمجيد الشهداء، وتوصيف إسرائيل كقوة احتلال، والحديث عن النكبة وحق العودة. كما يطالب بتدريب المعلمين على تبني خطاب “محايد” لا يتطرق إلى قضايا الاحتلال واللاجئين.
هذه التعديلات تثير مخاوف من محو الهوية الوطنية الفلسطينية، وتفريغ المناهج من محتواها التاريخي والثقافي، مما يهدد بتنشئة جيل فلسطيني مُجرد من وعيه الوطني.
وقوبلت هذه التدخلات برفض واسع من قبل المؤسسات الفلسطينية، حيث أكدت وزارة التربية والتعليم أن المناهج الفلسطينية تُعبر عن الهوية الوطنية، وأن أي تعديل يجب أن يتم وفقاً للرؤية الفلسطينية . كما رفضت اللجنة المشتركة للاجئين شروط الاتحاد الأوروبي، معتبرةً أن المناهج الحالية خضعت للتدقيق من قبل جهات مختصة، بما في ذلك الأمم المتحدة.
التدخل الإماراتي والمخاطر المترتبة
ليس التدخل الإماراتي في التعليم الفلسطيني فقط، بل قد يمتد إلى دول عربية أخرى. فقد قامت الإمارات بتعديل مناهجها التعليمية لتشمل مفاهيم جديدة تروج للتطبيع مع إسرائيل، مثل تدريس اتفاقيات إبراهيم، وتقديم إسرائيل كدولة صديقة. كما تم حذف محتوى يشير إلى الصراع العربي الإسرائيلي، وتقديم الهولوكوست كمادة دراسية، في محاولة لإعادة تشكيل الوعي العربي بما يتماشى مع الرواية الإسرائيلية.
تشكل هذه التعديلات في ملف التعليم التعليم الفلسطيني خطراً كبيراً على الهوية الوطنية الفلسطينية، حيث تُسهم في محو الذاكرة الجماعية، وتفريغ المناهج من محتواها التاريخي والثقافي. كما تهدد بتنشئة جيل فلسطيني مجرد من وعيه الوطني، مما يضعف من قدرته على مقاومة الاحتلال والمطالبة بحقوقه المشروعة.
ختاماً، التدخل الإماراتي في التعليم الفلسطيني يعد جزءاً من استراتيجية أوسع تهدف إلى إعادة تشكيل الوعي العربي بما يخدم الرواية الإسرائيلية. ومن خلال الضغط على السلطة الفلسطينية والممولين الدوليين، تسعى الإمارات إلى فرض تعديلات على المناهج التعليمية تفرغها من محتواها الوطني، وتُحولها إلى سردية “محايدة” تغفل السياق التاريخي للصراع.
في ظل هذه التحديات، يصبح من الضروري تعزيز السيادة التعليمية الفلسطينية، ورفض أي تدخل خارجي يهدد الهوية الوطنية. كما يجب على المجتمع الدولي احترام الحق الفلسطيني في صياغة مناهجه التعليمية بما يتماشى مع تطلعاته الوطنية، ودون فرض أي شروط تخالف هذا الحق المشروط.
المصدر: مسقط 24
