في خضم الصراعات الإقليمية المتعددة ودعم الدول لحركات أو مجموعات مسلحة في بلدان مختلفة، يبرز نمطين أولهما ينشط ضد الاحتلال الإسرائيلي في إطار ما يُعرف بـ”محور المقاومة الإقليمي” والآخر ضد المسلمين والمدنيين.
تجلى في الأيام الأخيرة دعم الإمارات لجماعات مسلحة والتي تُتهم بارتكاب مجازر ضد المسلمين والمدنيين كما هو الحال في مدينة الفاشر بولاية شمال دارفور بالسودان، بينما تواصل الحركات المسلحة المدعومة من إيران تثبيت حضورها الميداني كقوة إقليمية تواجه السياسات الإسرائيلية في المنطقة، مؤكدة أن سلاحها موجه للدفاع عن الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني وعن كرامة الأمة الإسلامية في وجه الاعتداءات المتكررة على الأراضي المحتلة.
محور المقاومة الإقليمي: حركات ضد إسرائيل
تأتي هذه التحركات في إطار ما يُعرف بـ”محور المقاومة الإقليمي”، الذي يضم حزب الله اللبناني، وحركة أنصار الله في اليمن، وفصائل من الحشد الشعبي في العراق، إضافة إلى حركات فلسطينية أبرزها حركة المقاومة الإسلامية حماس والجهاد الإسلامي. وترى هذه القوى أن سلاحها ليس مشروعاً هجومياً، بل وسيلة لحماية الحقوق العربية والإسلامية وصون كرامة الأمة. كما ترى في الدعم الإيراني سنداً استراتيجياً لتعزيز قدراتهم العسكرية والسياسية في مواجهة التفوق الإسرائيلي.
في لبنان، يشكل حزب الله رأس الحربة في المواجهة مع إسرائيل، حيث تستمر الاشتباكات المتقطعة على الحدود الجنوبية منذ تصاعد العدوان على غزة، فيما يؤكد الحزب أن معركته دفاعية وأن هدفها كبح الغطرسة الإسرائيلية ومنعها من فرض معادلات جديدة في المنطقة ضمن إطار محور المقاومة الإقليمي.
في اليمن، أعلنت جماعة الحوثيين (أنصار الله) دعمها الصريح للمقاومة الفلسطينية من خلال استهداف مواقع إسرائيلية وبوارج في البحر الأحمر، في خطوة اعتبرها مراقبون امتداداً لجبهة إقليمية موحدة تحت مظلة محور المقاومة الإقليمي.
وفي العراق، فتؤكد الفصائل الموالية لإيران أن عملياتها تستهدف القواعد والمصالح الإسرائيلية والأميركية التي تعد بحسب وصفها جزءاً من المنظومة العدوانية التي تهدد أمن المنطقة واستقرارها، في سياق المحور ذاته.
وأما في فلسطين، فحركة المقاومة الإسلامية حماس وكذلك الجهاد الإسلامي فلطالما ماكان سلاحها موجها للدفاع عن الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني وعن كرامة الأمة الإسلامية في وجه الاعتداءات المتكررة على الأراضي الفلسطينية المحتلة نيابة عن كل الأمة العربية والإسلامية.
ويؤكد قادة هذه الحركات أن سلاحهم ليس مشروعاً توسعياً بل وسيلة للدفاع عن القيم الإسلامية وحق الشعوب في تقرير مصيرها، مشيرين إلى أن موازين القوى لم تعد تميل بالكامل لصالح إسرائيل كما في السابق، بفضل تنامي التنسيق العسكري والتقني بين أطراف محور المقاومة الإقليمي.
ويرى محللون أن الدعم الإيراني لهذه الحركات لم يعد يقتصر على الجانب العسكري فحسب، بل يشمل أبعاداً سياسية وإعلامية تهدف إلى كسر احتكار الرواية الإسرائيلية وتثبيت حق الفلسطينيين في مقاومة الاحتلال. كما يعكس هذا الدعم استراتيجية أوسع تسعى من خلالها طهران إلى ترسيخ مفهوم وحدة الجبهات، أي توحيد ساحات المواجهة من غزة إلى جنوب لبنان والبحر الأحمر والعراق، في إطار رؤية تعتبر الدفاع عن فلسطين مسؤولية جماعية للأمة الإسلامية بأسرها، ضمن محور المقاومة الإقليمي.
ورغم محاولات إسرائيل تصوير هذا المحور على أنه تهديد لأمن المنطقة، تؤكد الحركات المدعومة من إيران أن معركتها موجهة فقط ضد الاحتلال وسياساته العدوانية، وأن خيار المقاومة سيظل قائماً ما دامت فلسطين تحت الاحتلال وما دام الشعب الفلسطيني محروما من حقوقه الوطنية المشروعة مشددة على أن هذا هو الجوهر الحقيقي لمحور المقاومة الإقليمي.
دعم الإمارات للدعم السريع: الفاشر
تعد مدينة الفاشر في شمال دارفور رمزاً للمأساة، حيث وثقت منظمات مثل اليونيسيف والمنظمة الدولية للهجرة وضعاً إنسانياً كارثياً عقب سيطرة قوات الدعم السريع على المدينة: نحو 130 ألف طفل معرضون لانتهاكات جسيمة وعشرات الآلاف نزحوا، والقتل والاختطاف والعنف الجنسي باتت جزءاً من الواقع هناك والنتيجة لا تقل عن كارثة إنسانية.
الإمارات نفت رسمياً أي دعم عسكري في السودان، لكنها متهمة من تقارير أممية ومنظمات حقوقية بأنها زودت قوات الدعم السريع بالسلاح والمرتزقة عبر شركات إماراتية، فضلاً عن إرسال طائرات شحن محملة بالأسلحة الحديثة ومرتزقة منهم كولومبيين تم تجنيدهم في الإمارات ثم إرسالهم إلى دارفور. ومن أبرز الأدلة:
- تقرير فريق خبراء الأمم المتحدة في 15 يناير 2024 بموثوقية الدعم الإماراتي.
- مارس 2024 بيان الاتحاد الأوروبي يدين هجمات الدرونز التي تنفذها قوات الدعم السريع ويدين أطرافاً دولية مثل الإمارات لتسهيلها.
- أبريل 2025 التقرير النهائي لفريق الخبراء بأن مرتزقة كولومبيين تم تجنيدهم عبر شركة أمنية مقرها الإمارات.
- وثائق مسربة من صحيفة “الجارديان” ظهرت فيها جوازات سفر إماراتية في ساحات المعارك بدارفور.
نتيجة هذا الدور، تفاقمت الكارثة الإنسانية في الفاشر، من قتل ميداني جماعي، وضع مزري للجرحى في المستشفيات وتهجير جماعي واسع بالإضافة لتعطيل المساعدات الإنسانية.
من جهة المساءلة، تواجه الإمارات اتهامات قوية من حكومة السودان ومنظمات حقوقية، بالمشاركة في تجريد دارفور من الحماية ودعم ما وصفته الخرطوم بأنه “الآلة الحربية” التي تمزق البلاد.
ختاماً، يمكن القول إن الحركات المقاومة للاحتلال تعبر عن تجربة مقاومة تحمل أبعاداً دفاعية وتعلنها إيران وحلفاؤها ضمن إطار “محور المقاومة الإقليمي”، وتواجه قيوداً وعقبات. أما الدعم الإماراتي في الفاشر فيمثل حالة تدخل خارجي في صراع داخلي ليس ضمن إطار مقاومة الاحتلال ولا ضمن دفاع عن أمة، بل في سياق حرب داخلية مع جرائم توثق ضد مدنيين. هذا التباين ليس فقط في المبدأ بل في النتائج والأهداف والأخلاق.
المصدر: مسقط 24
