في السنوات الأخيرة ارتبط اسم المملكة السعودية والذكاء الاصطناعي بشكل وثيق، حيث برزت المملكة كلاعب طموح في هذا المجال، مستندة إلى رؤيتها “2030” التي تهدف إلى تنويع الاقتصاد وتقليل الاعتماد على النفط.
وقد أثارت هذه الطموحات اهتماما عالميا، حيث شجعها البعض لتصبح مركزا عالميا في هذا المجال وانتقدها البعض الآخر كوصفت وكالة بلومبيرغ سلسلة الإعلانات السعودية بشأن الذكاء الاصطناعي بأنها “أقرب إلى الخيال منها إلى الخطط الواقعية”، مشيرة إلى افتقار الرؤية السعودية إلى أهم عناصر صناعة الذكاء الاصطناعي: المواهب البرمجية والبنية التحتية للابتكار.
السعودية والذكاء الاصطناعي: استثمارات ومبادرات
1. مشروع “ترانسيندينس” (Transcendence): أطلقت السعودية مشروع “ترانسيندينس” بقيمة 100 مليار دولار، يهدف إلى تعزيز البنية التحتية للذكاء الاصطناعي، دعم الشركات الناشئة، وتطوير القوى العاملة. يتضمن المشروع شراكات مع شركات تقنية رائدة مثل جوجل، حيث تم استثمار ما بين 5 إلى 10 مليارات دولار في مشاريع تركز على الذكاء الاصطناعي.
2. تأسيس شركة “هيومن” (Humain): في مايو 2025، أعلن ولي العهد الأمير محمد بن سلمان عن إطلاق شركة “هيومن” تحت مظلة صندوق الاستثمارات العامة، بهدف تطوير البنية التحتية للذكاء الاصطناعي وتقديم خدمات متقدمة تشمل مراكز بيانات، خدمات سحابية، ونماذج لغوية متعددة الوسائط باللغة العربية.
3. مبادرات تعليمية وتدريبية: تسعى السعودية إلى تدريب 20,000 متخصص في مجال البيانات والذكاء الاصطناعي بحلول عام 2030، بما في ذلك 5,000 عالم ذكاء اصطناعي. كما أطلقت برنامج “إليفيت” (Elevate) بالتعاون مع جوجل كلاود، بهدف تدريب 25,000 امرأة في مجالات التقنية والذكاء الاصطناعي.
البنية التحتية والتقنية
1. مراكز البيانات والحوسبة الفائقة: تعمل السعودية على توسيع بنيتها التحتية من خلال إنشاء مراكز بيانات ضخمة، مثل مركز “سنتر3” في الرياض، الذي تم توسيعه بقدرة 9.6 ميغاواط، مع خطط لزيادة السعة الإجمالية إلى أكثر من 300 ميغاواط.
كما استثمرت المملكة في شراء أكثر من 3,000 وحدة معالجة رسومات من شركة إنفيديا، بقيمة 120 مليون دولار، لدعم تطوير نماذج الذكاء الاصطناعي.
2. الشراكات الدولية: أبرمت السعودية شراكات مع شركات تقنية عالمية مثل إنفيديا، إيه إم دي، وأوبن إيه آي، لتوفير تقنيات متقدمة ودعم تطوير البنية التحتية للذكاء الاصطناعي. كما تم توقيع صفقات لتوريد شرائح الذكاء الاصطناعي من إنفيديا إلى شركة “هيومن”، مما أدى إلى ارتفاع أسهم إنفيديا بنسبة 5.6%.
التحديات في مجال الذكاء الاصطناعي
1. نقص المواهب المحلية: أشارت وكالة بلومبيرغ إلى أن السعودية تفتقر إلى المواهب البرمجية اللازمة لدعم طموحاتها في مجال الذكاء الاصطناعي. وعلى الرغم من المبادرات التعليمية، لا يزال هناك حاجة ماسة لتطوير الكفاءات المحلية وجذب الخبرات العالمية.
2. البنية التحتية للابتكار: تواجه السعودية تحديات في بناء بيئة ابتكار متكاملة تشمل البحث والتطوير، حاضنات الأعمال، وثقافة ريادة الأعمال. ويعد غياب هذه العناصر عائقا أمام تحقيق تقدم مستدام في مجال الذكاء الاصطناعي.
3. نموذج “التنمية بالإيجار” ومحدوديته: رغم ما تبذله السعودية من استثمارات ضخمة في قطاع الذكاء الاصطناعي، إلا أن الجزء الأكبر من هذه الجهود لا يزال قائما على استيراد التكنولوجيا وشراء النفوذ العلمي من الخارج، سواء عبر تمويل شراكات مع مؤسسات بحثية أجنبية، أو التعاقد المؤقت مع خبراء غربيين وآسيويين. يُطلق بعض المتابعين على هذا النمط اسم “التنمية بالإيجار”، وهو نموذج أثبت محدوديته في تجارب عديدة سابقة، حيث يصعب بناء اقتصاد معرفي مستدام دون وجود كوادر وطنية تمتلك القدرة على توليد المعرفة، وإعادة إنتاجها، والابتكار من داخل المجتمع ذاته. إن الاعتماد المفرط على العقول المستوردة، دون رافعة داخلية من التعليم والتدريب الوطنيين، يهدد بتحويل هذه المشاريع إلى استعراضات تقنية أكثر منها نهضة حقيقية مستدامة.
4. القيود القانونية وضعف بيئة البحث المفتوح: إضافة إلى ذلك، يعاني قطاع الذكاء الاصطناعي في السعودية من غياب بيئة قانونية وتنظيمية تتيح البحث المفتوح والتجريب الحر، وهو عنصر أساسي في بناء قطاع ابتكاري فعّال. فالنجاحات التي حققتها الدول الرائدة في الذكاء الاصطناعي مثل الولايات المتحدة والصين وألمانيا، استندت إلى وجود قدر كبير من الحرية الأكاديمية، والشفافية في الوصول إلى البيانات، والنقاش العام حول أخلاقيات التقنية. في المقابل، تُدار الجامعات السعودية غالبا بعقلية بيروقراطية وأمنية، تقيد حرية التعبير والتفكير المستقل، ما يضعف مناخ الابتكار ويُعيق المبادرات البحثية الأصيلة.
يُضاف إلى ذلك غياب منظومات واضحة لحوكمة البيانات وحماية الخصوصية، وهي متطلبات أساسية لأي بيئة تقنية جاذبة للاستثمارات العالمية. فلا يمكن للشركات الكبرى أو فرق البحث الدولية أن تثق في بيئة لا تقدم ضمانات كافية لحماية المعلومات الشخصية أو تسهيلات قانونية لمشاريع الاختبار والتطوير. هذه الفجوة في البيئة التشريعية والتنظيمية تمثل عائقا جوهريا أمام طموح السعودية للتحول إلى مختبر عالمي لتقنيات الذكاء الاصطناعي.
ختاماً، إيصال السعودية والذكاء والاصطناعي إلى العالمية على الرغم من الاستثمارات الضخمة، الشراكات الاستراتيجية والمبادرات التعليمية، إلا أنها تواجه تحديات تتعلق بنقص المواهب المحلية، البنية التحتية للابتكار، والاعتماد على الشراكات الخارجية بالإضافة إلى القيود القانونية.
المصدر: مسقط 24
