استهداف الصحفيين في صنعاء: جريمة حرب إسرائيلية تُسكت الحقيقة

استهداف الصحفيين في صنعاء

أدان المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان بأشد العبارات استهداف الصحفيين في صنعاء بالغارات الجوية التي شنها جيش الاحتلال على مركز إعلامي في العاصمة اليمنية بتاريخ 10 سبتمبر/أيلول الجاري، وذلك في جريمة جديدة تكشف عن منهجية الاحتلال الإسرائيلي في قمع الحقيقة وملاحقة الكلمة الحرة.

وأسفرت الجريمة عن مقتل وإصابة العشرات من الصحفيين والعاملين في المجال الإعلامي، في مشهد يؤكد أن الصحافة باتت هدفا مباشرا في حرب لا تميز بين المقاتل والمدني، ولا بين الكاميرا والبندقية.

استهداف الصحفيين في صنعاء: اغتيال للكلمة

بحسب بيان المرصد، طالت الغارات مكتبي صحيفتي “26 سبتمبر” و”اليمن” داخل مركز إعلامي في حي التحرير، وهو حي سكني مكتظ بجوار المدينة القديمة المصنفة على قائمة التراث العالمي لـ”يونسكو”.

استهداف الصحفيين في صنعاء لم يكن مجرد ضربة عسكرية عابرة، بل جاء في إطار حملة إسرائيلية أوسع شملت مواقع في صنعاء والجوف، وأسفرت عن مقتل عشرات المدنيين.

صحيفة “26 سبتمبر” أعلنت عن مقتل 31 صحافيا وإصابة 22 من طواقمها، فيما أكدت نقابة الصحافيين اليمنيين سقوط عدد آخر من الضحايا، بينهم أسماء بارزة في الوسط الإعلامي مثل عبدالعزيز الشيخ، وعباس الديلمي، ويوسف شمس الدين، وعبدالله مهدي البحري، وغيرهم. هؤلاء لم يحملوا سوى أقلامهم وكاميراتهم، لكن الاحتلال تعامل معهم كما لو كانوا مقاتلين، في محاولة لإسكات صوت يفضح جرائمه.

حجج واهية

الجيش الإسرائيلي برر استهداف الصحفيين في صنعاء ضمن مكتبهم بزعم استخدام هذه المكاتب من قبل جماعة “أنصار الله” لأغراض عسكرية، غير أن المرصد الأورومتوسطي شدد على أن هذا الادعاء لا يستند إلى أي أساس قانوني.

فالمقر الإعلامي كان يعج بالمدنيين، والقاعدة القانونية واضحة: الصحفيون يتمتعون بحماية خاصة بموجب القانون الدولي الإنساني، ولا يجوز استهدافهم إلا إذا شاركوا مباشرة في أعمال عدائية، وهو ما لم يحدث.

حتى على افتراض وجود أهداف عسكرية، فإن الهجوم يظل غير مشروع، لافتقاره لشروط التناسب والضرورة العسكرية، فضلا عن غياب أي تدابير لتجنيب المدنيين الأذى. بل إن اختيار استهداف الصحفيين في صنعاء ضمن مبنى إعلامي وسط منطقة سكنية مكتظة، وعلى مقربة من مواقع أثرية عالمية، يكشف عن استهتار الاحتلال بمبادئ القانون الدولي وتعمد إحداث أكبر قدر ممكن من الدمار والخسائر البشرية.

استهداف متعمد من قبل الاحتلال الإسرائيلي للصحفيين في صنعاء

سياسة منهجية لإرهاب الصحفيين

المرصد الأورومتوسطي اعتبر أن استهداف الصحفيين في صنعاء ليس حادثة منفردة، بل جزء من سياسة إسرائيلية ممنهجة سبق أن تكررت في فلسطين ولبنان. فالقصف الذي يطول الصحفيين ومؤسساتهم الإعلامية يهدف إلى ترهيب كل من ينقل الأخبار ويوثق الأحداث، وحرمان الضحايا من صوتهم، وتجريد المجتمع الدولي من مصادر مستقلة للمعلومات.

هذا النمط من الجرائم يندرج تحت سياسة “إسكات الحقيقة”، حيث يسعى الاحتلال إلى خلق بيئة خالية من الشهود، يسيطر فيها على السردية الإعلامية، ويمنع توثيق جرائمه أمام العالم.

توسيع لرقعة الانتهاكات

الهجوم الأخير يعكس أيضا انتقال الاحتلال الإسرائيلي إلى جغرافيا جديدة خارج فلسطين ولبنان، لتطال جرائمه العاصمة اليمنية صنعاء. هذه الضربات لم تستهدف فقط مواقع عسكرية كما يزعم، بل شملت استهداف الصحفيين في صنعاء وكذلك المدنيين من خارج الوسط الإعلامي، وهو ما يثير تساؤلات خطيرة حول اتساع دائرة الجرائم الإسرائيلية في المنطقة، وغياب أي رادع دولي.

من منظور حقوقي، ما جرى من استهداف الصحفيين في صنعاء هو جريمة حرب مكتملة الأركان، تستهدف الإعلام كجزء من البنية المدنية، وتؤكد أن الاحتلال لم يعد يكتفي بقتل المدنيين، بل يسعى إلى القضاء على من ينقل معاناتهم للعالم. إنها سياسة ممنهجة لـ”قتل الشاهد” بعد “قتل الضحية”.

دعوة للمساءلة 

المرصد الأورومتوسطي دعا المجتمع الدولي إلى التحرك الجاد، مؤكدا أن بيانات الإدانة لم تعد كافية. وطالب بتفعيل آليات المساءلة الدولية، وفرض عقوبات اقتصادية ودبلوماسية وعسكرية على إسرائيل، تشمل حظر تصدير وشراء الأسلحة، ووقف التعاون المالي والسياسي، وتجميد أصول المسؤولين المتورطين في هذه الجرائم، وفرض قيود على سفرهم.

هذه الدعوات تضع المجتمع الدولي أمام اختبار حقيقي: هل سيبقى عاجزا أمام جرائم تتكرر بلا توقف، أم سيتحرك لوقف نزيف الدم وإسكات الصوت الحر في المنطقة؟

ختاماً، جريمة استهداف الصحفيين في صنعاء ليست مجرد هجوم عسكري، بل إعلان صريح بأن الاحتلال يرى في الكلمة الحرة عدوا لا يقل خطورة عن المقاتل المسلح. فالحقيقة بالنسبة له تهديد وجودي، والكاميرا أشد وقعا من الصاروخ.

ومع استمرار الصمت الدولي، تتوسع رقعة الجرائم، من غزة إلى بيروت وصولا إلى صنعاء، في مسار يؤكد أن الاحتلال يتعامل مع الإعلام كجبهة حرب لا تقل أهمية عن ميادين القتال. غير أن التاريخ أثبت أن محاولات إسكات الحقيقة مصيرها الفشل، وأن دماء الصحفيين ستظل شاهدة على جرائم لا تسقط بالتقادم.

المصدر: مسقط 24

→ السابق

النزوح من غزة: مأساة إنسانية تتفاقم وسط الحصار والدمار

التالي ←

عُمان تحتفل في اليوم الوطني بجناحها بإكسبو أوساكا 2025

اترك تعليقاََ

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

الأكثر قراءة