دعم الإمارات المباشر في تمويل وتسليح جهة متهمة بارتكاب جرائم حرب في السودان، أصبح حديث الصحف والشارع وحتى جلسات مجلس الأمن الدولي بعد سيل من الاتهامات التي وجهت إلى أبوظبي بأنها لم تكتف بكونها طرفاً سياسياً بل أصبحت فاعلاً مباشراً وشريكا في المأساة الحاصلة بالسودان وخاصة في مدينة الفاشر بولاية شمال دارفور.
في جلسة طارئة لمجلس الأمن الدولي خصصت لبحث الوضع في الخرطوم، تحولت القاعة إلى ساحة مواجهة دبلوماسية بين المندوب السوداني الحارث إدريس ونظيره الإماراتي محمد أبو شهاب، حيث أطلق إدريس حملة اتهامات لاذعة ضد الإمارات وصلت إلى حد وصف المندوب الإماراتي بأنه “مكانه ليس هنا” بل “مع ميليشيات الدعم السريع”.
وفي نفس الأثناء، اجتاحت مواقع التواصل الاجتماعي حملة تحت وسم “#قاطعوا_الإمارات” و”#لا سلم_الله_الامارات” و”#شیطان_العرب”، تندد وبتصعيد واضح بدور أبوظبي في النزاع السوداني، خصوصاً في مدينة الفاشر بولاية شمال دارفور.
كما حذرت منظمات مثل يونيسيف والمنظمة الدولية للهجرة من كارثة إنسانية تهدد مئات الآلاف من الأطفال والنازحين في الفاشر، حيث تقول التقارير إن أكثر من 130 ألف طفل أصبحوا عرضة للقتل أو العنف الجنسي أو الاختطاف.
دعم الإمارات المباشر: مجلس الأمن
في جلسة مجلس الأمن، أشار مندوب السودان إلى ما يجري في الفاشر من مجازر ترتكب منذ أبريل 2023، واستشهد بحادثة مقتل نحو 450 مدنياً في المستشفى السعودي، واستهداف النساء والفتيات في وضح النهار.
وأكد أن استمرار هذه الانتهاكات يعود إلى ما أسماها “دعم الإمارات المباشر” لقوات الدعم السريع، عبر تزويدها بالطائرات المسيرة والذخائر وتجنيد المرتزقة وشراء الذهب المنهوب من المناجم السودانية.
من جهة أخرى، الإمارات نفت الأمر ووصفته بأنه “مشكلة داخلية للسودانيين”، لكن حجم الأدلة والتقارير التي ظهرت علناً صعب على أبوظبي أن تحافظ على نفس الخطاب دون مواجهات قانونية أو سياسية مباشرة.
حملة #قاطعوا_الإمارات
على شبكات التواصل، تفاعل الناشطون مع حملة واسعة تطالب بمقاطعة ثقافية واقتصادية للشركات والطيران والمنتجات الإماراتية، معتبرين أن ما يحدث لم يعد مجرد خلاف سياسي، بل تواطؤ فعلي.
وفي نفس الوقت، كشفت تقارير استخبارية غربية أن الإمارات زودت قوات الدعم السريع بطائرات مسيرة صينية وأنظمة توجيه وأسلحة حديثة، وشملت أيضاً أسلحة بريطانية الصنع نقلت عبر الإمارات. هذه المعطيات تؤكد أن “دعم الإمارات المباشر” ليس مجرد وصف إعلامي بل حقيقة مدعومة بأدلة.
ويبدو أن الصورة التي كانت تسوقها أبوظبي كقوة استقرار وممول للاغاثة باتت تواجه سقوطاً مدوياً، حيث ينظر إليها اليوم من زاوية أخرى: كطرف يغذي النزاعات بدل أن يحلها.
الأزمة الإنسانية في الفاشر
في مدينة الفاشر، تقدم المنظمات الدولية وصفاً واقعياً لأزمة تتفاقم لحظة بلحظة من تهجير جماعي لعشرات الآلاف، أطفال محاصرون بأكثر من 130 ألف طفل معرضين للعنف أو الاختطاف، وصول المساعدات الإنسانية مقطوع أو صعب للغاية.
وقالت مسؤولة اليونيسيف إن “لا طفل في مأمن هناك” في ما وصفته بـ “كابوس إنساني”. في المقابل، قوات الدعم السريع أعلنت أنها شكلت لجنة تحقيق، لكن الخرطوم والمراقبون يشككون بأنها أكثر من مناورة لتهدئة الضغط الدولي.
وبينما تستمر جرائم حرب من القتل الميداني والاعتداء على الجرحى والمرضى، يلوح مصطلح “دعم الإمارات المباشر” كالحبل الذي يربط بين الإمكانات التشغيلية لقوات الدعم السريع وبين الجهة التي تزودها، ما يحول الصراع إلى اشتباه في تمويل إبادة جماعية أو تطهير عرقي.
تداعيات وتحديات
الحديث عن “دعم الإمارات المباشر” يفتح سلسلة تساؤلات خطيرة: هل سيتحرك مجلس الأمن فعلياً لمحاسبة من يمول ويسلح جهات متهمة بجرائم حرب؟ أم أن الكلام سيبقى في إطار بيانات دون تغيير ميداني؟
كما أن الحملة الشعبية (في السودان والعالم العربي والغربي) تجاه الإمارات قد تضع أبوظبي في عزلة دولية أقوى، وتزيد الضغط على الشركات والمستثمرين الإماراتيين في البلدان الغربية.
من جانب آخر، يعيش المدنيون في دارفور مأزقاً أخلاقياً وإنسانياً كبيراً: من يستطيع أن يحميهم حين يصبح أحد أعضاء مجلس الأمن نفسه متهماً بـ”دعم الإمارات المباشر” لجهة مسلحة؟ وكيف يمكن لإغاثة إنسانية أن تصل حين تستخدم المساعدات كسلاح للحصار؟
ختاماً، “دعم الإمارات المباشر” ليست مجرد عبارة أو جملة عابرة في هذا السياق، بل هي المفصل الذي يربط بين الاتهامات الدبلوماسية في مجلس الأمن والتقارير الاستخبارية والحملة الشعبية وكذلك المعاناة الإنسانية في الفاشر. وإذا لم يتوج هذا الربط بإجراءات دولية حقيقيةرقابية أو قانونية أو إنسانية فإن ما نشهده قد يتحول من مأساة سودانية إلى سابقة دولية تقول إن تمويل وتمكين قوات متهمة بجرائم حرب ممكن من دولة عضو في مجلس الأمن ومن دون أدنى محاسبة.
المصدر: مسقط 24
