التنافس الإماراتي السعودي على الزعامة العلمية والرمزية

التنافس الإماراتي السعودي

في قلب الجدل الدائر مؤخرا حول تغريدة الأكاديمي الإماراتي عبد الخالق عبد الله، برز بوضوح منحى جديد للتصادم حول التنافس الإماراتي السعودي على الريادة العلمية والرمزية في العالم العربي. هذا الخلاف، الذي بدا ظاهريا وكأنه نقاش على ذكر جنسية عالم نال نوبل، هو في جوهره تعبير عن صراع أعمق بين مشروعين يسعيان لفرض دورهما كرائد المعرفة العربي.

عندما غرد عبد الخالق عبد الله مهنئا العالم الفلسطيني الأردني الأمريكي عمر ياغي على فوزه بجائزة نوبل للكيمياء، معتبراً أنه سبق وتكرم ضمن مبادرة “نوابغ العرب” الإماراتية، أثار موجة من الغضب السعودي. السعوديون رأوا في التغريدة عملاً متعمدا لتجاهل الجنسية السعودية التي منحها الملك السعودي للعالم ياغي عام 2021 في إطار مبادرة تجنيس الكفاءات. ورد الأمير خالد آل سعود بتغريدة تصحيحية حملت بين طياتها اتهاما ضمنيا للإمارات بـ”الاستحواذ الرمزي” على إنجازات الآخرين.

ومن هنا بدا أن التغريدة العابرة تحولت إلى ساحة لعرض القوة الرمزية: أي من الدولتين يحق لها أن تقتنص الضوء العلمي وتنسبه لنفسها. ويعد هذا الحادث مثالا مصغرا على التنافس الإماراتي السعودي في مضمار الزعامة العلمية.

التنافس الإماراتي السعودي

العالم عمر ياغي يمثل حالة معقدة من الهويات المتداخلة: الأصول الفلسطينية، والنشأة الأردنية، والجنسية الأمريكية، ثم الجنسية السعودية. لكن الخلاف حول تغريدة عبد الخالق أعاد تسليط الضوء على كيف يمكن لكتابة سطر أو حذف إشارة أن تستخدم كسلاح في صراع رمزي أكبر.

من منظور الإمارات، تشكل مبادرات مثل “نوابغ العرب” أو “جوائز العقول العربية” أدوات لبناء صورة الدولة كحاضنة للكفاءات العربية، وساعية نحو التصدر الرمزي للمشهد الثقافي والبحثي. أما السعودية، فعبر رؤية 2030 وبرامج تجنيس العلماء، تحاول أن ترسم لنفسها موقع الدولة المنقذة للكفاءات العربية، وقدرة على استقطابها ومنحها إطارا وطنيا.

هذا التصادم الرمزي ليس عابرا؛ بل هو جزء من التنافس الإماراتي السعودي على من يملك الحق في أن يكون صوت العقل العربي المبدع.

يفترض أن جائزة نوبل تقف خارج التجاذبات القومية، وهي تكريم حيادي للبحث العلمي. لكن في السياق العربي، تحولت إلى مقياس على من “يمتلك” الإنجاز. بعض الدول تراهن على نسب علماءها إليها لتسويق صورتها الدولية كـ”أمة القادة”.

وهنا يظهر التنافس الإماراتي السعودي بوضوح: فالإمارات باتت تستثمر الجوائز والمبادرات العلمية كجزء من استراتيجيتها الناعمة، بينما السعودية تتجاوب بإجراءات ملموسة مثل منح الجنسية لجذب العلماء.

كما أن التداخل في السياسة والهوية يجعل من كل إنجاز علمي مادة للتقاطع بين مشروعي القوة الناعمة في الخليج.

تجنيس الكفاءات 

السعودية أصدرت مرسوما يمنح الجنسية لعلماء ومبتكرين بارزين ضمن رؤيتها 2030، بهدف استقطاب الخبرات العالمية وربطها بالمشروع الوطني. بالمقابل، الإمارات تستثمر في الجوائز والمبادرات الرمزية مثل “نوابغ العرب” و”Great Arab Minds”، لتجسيد نفسها كبيئة فاعلة للاعتراف بالكفاءات العربية.

هنا يظهر بجلاء التنافس الإماراتي السعودي على من يكون المرجع في تكريم العقول.

الخلاف الإماراتي السعودي على الزعامة العلمية والرمزية

الذكاء الاصطناعي والبحث العلمي

بينما تحتدم المنافسة على صعيد المشاريع الكبرى، يأتي العلم والتكنولوجيا كميدان إضافي. تشير مؤشرات حديثة إلى أن السعودية والإمارات باتتا ضمن أعلى 20 دولة في الكثافة البشرية في مجال الذكاء الاصطناعي.

وفي دراسات مقارنة لاستراتيجيات الحوكمة في الذكاء الاصطناعي بدول مجلس التعاون، يُلاحظ أن السعودية تركز على بناء الأطر القانونية والبنى التحتية، فيما الإمارات تعتمد على مرونة الابتكار كنظام تشريعي غير مقيد أحيانا.

كذلك، هناك مشاريع علمية ضخمة في كلا البلدين، لكن كل واحدة تراهن على البعد الرمزي في إبرازها للعالم العربي.

السياسة الاقتصادية 

لا يقتصر الصراع الرمزي على العلم فقط؛ بل يمتد إلى أبعاد اقتصادية وسياسية. السعودية وضعت شروطا للشركات متعددة الجنسيات بأن تنقل مقراتها الإقليمية التي غالبا ما تكون في دبي إلى داخل المملكة، في محاولة لخفض النفوذ الإماراتي في الاقتصاد الإقليمي.

كما أن التنافس حول حصص النفط أو السياسة الخارجية في اليمن وأفريقيا يعبر عن مناخ عام يضفي على العلاقة طابع المنافسة المكشوفة.

في هذا السياق، يعد التنافس الإماراتي السعودي امتدادًا لصراع النفوذ العام، وهو يعكس كيف أن المشروعات الكبرى والعلمية تستعمل كمسرح للصراع الدولي والإقليمي أيضاً.

الدلالات المستقبلية

حين ينسب إنجاز علمي إلى دولة ما، يترجم ذلك إلى شرعية رمزية. في هذا المشهد، يصارع المشروع الإماراتي المشروع السعودي على من يمثل “العقل العربي” أمام العالم، ويصدر صورة الفاعلية والحداثة. ومن ثم، فإن التنافس الإماراتي السعودي لا يخص الدولتين فقط، بل يطرح أمام الجمهور العربي باعتباره صراعا حول من يهيمن على العقل والمشهد.

وعندما يستخدم العلم كأداة للترويج السياسي، تنشأ مخاطرة بأن تختزل الكفاءات في أدوات للسياسة، وأن يحجب دور الباحثين الأكاديمي الموضوعي خلف أرضيات استراتيجية. قد يتحول التكريم إلى ساحة للمنازعات، بدل أن يظل تكريما بحثيا وبحثيا خالصا.

كما أن التنافس المكشوف بين الوطنين يشكل ضغطا على تماسك مجلس التعاون الخليجي، ويهدد مشاريع الدمج الاقتصادي والمؤسسي المشتركة.

ورغم أن بعض المراقبين يرون أن العلاقة بين السعودية والإمارات ليست صفرية الربح، وأن علاقة التعاون والتنافس يمكن أن تتوازى، فإن تركيز المنافسة على الرمزية قد يجعل الصدام أكثر احتمالا مستقبلاً.

ختاماً، لقد بدا أن النقاش حول تغريدة عابرة ما كان ليكتسب أهمية لولا ما تحمله من دلالات أعمق عن التنافس الإماراتي السعودي على الزعامة الرمزية في العالم العربي. إن الصراع ليس على الحق في التغريدة أو التصحيح، بل على من يحق له أن يرفع راية الكفاءات. المعركة الرمزية بين المشروعين تتجاوز اللحظة، وهي تعكس معركة أشد واقعية على النفوذ والرؤية في القرن الحادي والعشرين العربي.

المصدر: مسقط 24

→ السابق

صحة غزة تتسلم 30 جثمانا من الاحتلال الإسرائيلي

التالي ←

المرأة العُمانية بين فخر الرسالة وطموح الإنجاز

اترك تعليقاََ

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

الأكثر قراءة