موقف عربي مختلف أمام خطاب نتنياهو مرتكب الإبادة في غزة

موقف عربي مختلف

في خضم الإجماع العالمي على مظلومية غزة والجرائم التي ترتكبها قوات الاحتلال الإسرائيلي فيها تحت رعاية رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو، برز موقف عربي مختلف حين اختارت بعض الدول البقاء في مقاعدها والاستماع إلى كلمة نتنياهو حتى النهاية، على الرغم من أن الجمعية العامة للأمم المتحدة شهدت حدثاً استثنائياً حينما انسحبت وفود عشرات الدول بشكل جماعي أثناء إلقاء نتنياهو لكلمته، احتجاجاً على سياساته المتهمة بارتكاب جرائم إبادة في قطاع غزة. حيث أرسل صدى الانسحابات في القاعة رسالة تضامن مع الفلسطينيين. 

الدول التي اختارت عدم مغادرة القاعة لم تكن دولاً بعيدة عن قلب الصراع، بل كانت الإمارات والبحرين وموريتانيا. وبذلك أظهر المشهد موقف عربي مختلف عن الإجماع الدولي المتنامي، وكأن هذه الدول ترجح حسابات سياسية واقتصادية على موقف مبدئي قائم على رفض خطاب المرتكب للمجازر الجماعية.

هذا السلوك أثار موجة من الانتقادات في الأوساط الشعبية والإعلامية العربية، إذ اعتبر تخلياً صريحاً عن القيم التاريخية التي ربطت العرب بقضية فلسطين.

موقف عربي مختلف: الإمارات والبحرين وموريتانيا

الإمارات والبحرين لم تكونا بحاجة لإيضاح سبب بقائهما في القاعة، فالمشهد كان بحد ذاته امتداداً لمسار التطبيع الذي بدأ رسمياً عام 2020 عبر “اتفاقيات أبراهام”. فمنذ ذلك الحين، توسعت العلاقات بين الطرفين في مجالات متعددة تشمل التجارة، السياحة، التكنولوجيا، والاستثمار، بل وحتى التعاون الأمني والعسكري. شركات إماراتية وقعت صفقات كبرى مع الاحتلال، والرحلات الجوية بين أبوظبي وتل أبيب استمرت رغم تصاعد الحرب على غزة وسقوط آلاف الضحايا.

البحرين بدورها استضافت فعاليات سياسية وأمنية مشتركة مع الإسرائيليين، إلى جانب دورها كحليف وثيق لواشنطن باستضافة الأسطول الخامس الأمريكي، وهو ما جعلها أكثر حرصاً على إظهار التزامها بخط واشنطن في المنطقة.

وفي هذا السياق، لم يكن مفاجئاً أن يترجم مندوبا البلدين هذا النهج إلى موقف عربي مختلف عبر الجلوس في القاعة والاستماع إلى نتنياهو، متجاهلين صرخات الاحتجاج العالمية. تحليل الموقف يشير إلى أن كلفة الانسحاب بالنسبة لهما قد تكون أعلى بكثير من البقاء، إذ قد تُفسر على أنها خطوة ضد الولايات المتحدة أو حتى إشارة لتراجع في مسار التطبيع، وهو ما لا ترغب أي من العاصمتين في إظهاره في هذه المرحلة.

لذلك، بدا بقاء الإمارات والبحرين في مقاعدهما انسجاماً مع خيارات استراتيجية ترى أن الشراكة مع الاحتلال أهم من التضامن العلني مع الفلسطينيين.

موريتانيا، التي عُرفت بمواقف داعمة للقضية الفلسطينية في محطات تاريخية سابقة، فاجأت بقرارها البقاء، إذ رآه مراقبون تعبيراً عن ضغوط خارجية أو حسابات داخلية دفعتها لتبني موقف عربي مختلف عن سجلها السابق. هذا التحول عزز الشكوك حول اتجاهات السياسة الخارجية الموريتانية في المرحلة المقبلة، خصوصاً في ظل أزمات اقتصادية متنامية وحاجة ملحة إلى دعم خارجي. كثيرون تساءلوا: هل كان هذا الموقف تكتيكاً دبلوماسياً أم بداية لمسار جديد؟

انسحاب الوفود أثناء إلقاء نتنياهو كلمته في الأمم المتحدة ماعدا بعض الدول العربية التي أظهرت موقفا مختلفا

فارق صارخ بين الانسحاب والبقاء

الانسحاب من القاعة لم يكن مجرد حركة بروتوكولية، بل خطوة سياسية مدروسة حملت رسالة واضحة بأن العالم لم يعد يقبل منح منصة شرعية لخطاب يتجاهل آلاف الضحايا الفلسطينيين. ومع ذلك، جسد البقاء موقف عربي مختلف، اعتبره كثيرون ترجمة لمسار التطبيع الذي مضت فيه أبوظبي والمنامة منذ توقيع اتفاقيات أبراهام، حيث واصلت هذه العواصم تعزيز علاقاتها مع تل أبيب حتى في أوج العدوان على غزة. وفي المقابل، أكد المنسحبون أن الصمت لم يعد مقبولاً في ظل التوثيق المستمر للجرائم في غزة.

المفارقة الصارخة أن أكثر من 140 دولة انسحبت أو أعلنت احتجاجها الواضح، بينها دول أوروبية وآسيوية وأفريقية ليست طرفاً مباشراً في النزاع، لكنها فضلت اتخاذ موقف أخلاقي ينسجم مع القانون الدولي. في حين مثل البقاء في القاعة موقف عربي مختلف, أقرب إلى منح نتنياهو شرعية غير مستحقة على منبر الأمم المتحدة. هذا التباين أوضح أن بعض الأنظمة العربية لم تعد ترى في فلسطين قضية مركزية، بل ملفاً يمكن تجاوزه لصالح تحالفات إقليمية ودولية.

إن الانسحاب من خطاب نتنياهو عكس التزاماً إنسانياً وسياسياً بالانحياز للعدالة، بينما جسد البقاء في القاعة موقف عربي مختلف لا يمكن وصفه بالحياد، بل بالانبطاح أمام ضغوط التحالفات الإقليمية والدولية. هذا التباين كشف بوضوح الخيط الفاصل بين من يرى في فلسطين قضية مركزية تستحق الدفاع عنها، وبين من يتعامل معها كعبء يسعى للتخلص منه أو تجاوزه. فالمواقف التي ظهرت لم تقتصر على التعبير عن السياسة، بل كشفت عن حقيقة الاصطفافات الجديدة في المنطقة.

ختاماً، خطاب نتنياهو جاء محملاً بذرائع سياسية ومقولات تبريرية، متجاهلاً الجرائم الموثقة بحق المدنيين الفلسطينيين في غزة. ومع ذلك، التزم بعض المندوبين العرب الصمت، ولم يشاركوا في الاحتجاج الجماعي. هذا الصمت، الذي اختير بوعي، تحول إلى موقف عربي مختلف يبتعد عن الرؤية التاريخية للعرب تجاه فلسطين، ويُظهر أولوية العلاقات مع الحليف الأمريكي والإسرائيلي على حساب دماء الأبرياء. وقد أثار ذلك تساؤلات عن مدى قدرة هذه الدول على مواجهة الرأي العام المحلي الذي يرى في فلسطين قضية لا تقبل المساومة.

في المحصلة، لم يكن ما جرى داخل قاعة الأمم المتحدة مشهداً عابراً، بل اختباراً صارخاً للمواقف. دول انسحبت لترسل رسالة تضامن مع غزة، فيما دول عربية أخرى قدّمت موقفاً عربياً مختلفاً أثبت أن التطبيع لم يعد اتفاقيات على الورق، بل سلوكاً سياسياً يتجلى في المحافل الدولية حتى حين يتحدث مرتكب الإبادة نفسه. هذا المشهد يعيد طرح السؤال المركزي: هل ما زالت فلسطين قضية العرب الأولى، أم أنها أصبحت ورقة تفاوضية قابلة للمساومة؟

المصدر: مسقط 24

→ السابق

أوكرانيا تعلن تلقيها منظومة باتريوت من إسرائيل

التالي ←

إسبانيا تنضم لـ”مجموعة لاهاي” لفرض عقوبات على إسرائيل

اترك تعليقاََ

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

الأكثر قراءة