عندما يكشف الأكاديمي الإسرائيلي هاليفي فظائع غزة ويغض العرب الطرف

الأكاديمي الإسرائيلي هاليفي

في خضم الحرب الإسرائيلية المستمرة على قطاع غزة، التي خلفت دمارا واسعا وأزمة إنسانية غير مسبوقة، برز صوت الأكاديمي الإسرائيلي هاليفي ناقداً من الداخل، يُسلط الضوء على الواقع المأساوي في القطاع، في حين ساد الصمت معظم النخب والعواصم العربية. 

الأستاذ دوتان هاليفي، أستاذ العلوم السياسية في جامعة تل أبيب، نشر مقالا في صحيفة “يديعوت أحرونوت” وصف فيه غزة بأنها “مكب بشري مفتوح” و”أرض موت” لا مهرب فيها للمدنيين، منتقدا بشدة سياسات الجيش الإسرائيلي في القطاع، في وقت انتشر في الصمت والتجاهل لدى معظم العواصم العربية، وارتفعت أصوات التطبيع والتبرير.

الأكاديمي الإسرائيلي هاليفي ينتقد جيشه ويفضح العرب 

لقد كشف هاليفي – وغيره من منتقدي العدوان داخل المجتمع الإسرائيلي – عن حجم الجريمة، ووضعوا مرآة أخلاقية أمام العالم. غير أن هذه المرآة عكست كذلك العار العربي: صمت رسمي خانع، ومواقف إعلامية باهتة، وتخاذل فكري وثقافي لدى نخبة كان يُفترض بها أن تكون صوت الضمير العربي.

ففي زمن تُنتهك فيه كل القيم الإنسانية على مرأى ومسمع العالم، تأتي الحرب الإسرائيلية على غزة كأحد أكثر مشاهد البربرية توحشا في العصر الحديث، حيث يتحول القطاع المحاصر إلى مقبرة مفتوحة وساحة إبادة جماعية ممنهجة ضد المدنيين. غير أن المفارقة الكبرى لا تكمن فقط في حجم العدوان، بل في هوية من يدينونه ويصرخون في وجهه.

غزة أرض الموت وانتقادات داخلية

في مقاله، عبّر هاليفي عن صدمته من حجم الدمار الذي لحق بالبنية التحتية في غزة، مشيرا إلى أن القطاع تحول إلى “مكب بشري مفتوح” حيث دُمرت مقومات الحياة الأساسية. وأشار إلى أن العمليات العسكرية الإسرائيلية حولت غزة إلى “أرض موت” لا يجد فيها المدنيون ملاذا آمنا، مؤكدً أن هذا الواقع يعكس فشلا أخلاقيا واستراتيجيا في التعامل مع الأزمة.

تصريحات هاليفي ليست معزولة؛ فقد بدأت أصوات أخرى داخل إسرائيل تنتقد سلوك الجيش والحكومة في غزة. صحيفة “يديعوت أحرونوت” نفسها نشرت تقارير تشير إلى أن سلوك الجيش في غزة يتسم بـ”الهدم من أجل الهدم، والقتل من أجل القتل”، مما يعكس حالة من الانتقام والاستخفاف بحياة المدنيين . كما أشارت تقارير أخرى إلى أن الحرب كشفت عن فشل استخباراتي وعسكري، مما أدى إلى دعوات لاستقالة كبار المسؤولين العسكريين .

الصمت العربي وتواطؤ المطبعين

رغم فظاعة المشهد في غزة، حيث تحول القطاع إلى ركام ومأوى جماعي للموت، فإن الصمت العربي – الرسمي والشعبي – بات واحدا من أكثر الجوانب المثيرة للدهشة والخزي في آنٍ معا. في الوقت الذي يخرج فيه أكاديمي إسرائيلي مثل دوتان هاليفي ليصف غزة بأنها “مكب بشري مفتوح” و”أرض موت”، يلتزم معظم القادة العرب، والمفكرين، ووسائل الإعلام، الصمت المطبق، وكأن الدم الفلسطيني لم يعد جديرًا حتى بالإدانة الشكلية أو التضامن اللفظي.

اللافت في هذا السياق هو أن هذا الصمت لا ينبع فقط من اللامبالاة أو العجز، بل في بعض الحالات يتحول إلى تواطؤ مباشر أو غير مباشر مع الاحتلال، خاصة من بعض الدول التي اختارت طريق التطبيع العلني والاندماج السياسي والاقتصادي مع إسرائيل في السنوات الأخيرة، في إطار ما يسمى بـ”اتفاقات أبراهام”.

اقرأ ايضاً
غزة: تدمير 92% من المنازل و148 شهيدا خلال الـ24 ساعة الماضية

من الصمت إلى التبرير

الإمارات، والبحرين، والمغرب، والسودان، إضافة إلى علاقات قديمة ولكن غير علنية كما في حالة السعودية – جميعها باتت تقيم علاقات بدرجات متفاوتة مع دولة الاحتلال. هذه الدول، التي تباهت بـ”السلام الدافئ” و”الفرص الاقتصادية المشتركة”، لم تعلّق على المجازر الجارية في غزة إلا ببيانات باهتة ومُعمّمة، تتجنب الإشارة إلى إسرائيل كجهة معتدية، أو تتحدث عن “كافة الأطراف” بصيغة تساوي الضحية بالجلاد.

بل أكثر من ذلك، ظهر في بعض الخطابات الإعلامية الرسمية والتصريحات السياسية لمسؤولين في هذه الدول ما يمكن اعتباره تبريرا ضمنيا أو دفاعا غير مباشر عن سياسات الاحتلال. على سبيل المثال، تحدثت شخصيات إماراتية رسمية في السابق عن “حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها”، في تجاهل فاضح لميزان القوى ولمجازر المدنيين التي توثقها وكالات الأمم المتحدة نفسها.

تحالفات وخطاب سياسي جديد

لقد أصبحت بعض الأنظمة العربية ترى في إسرائيل شريكا استراتيجيا في مواجهة ما تسميه “تهديدات مشتركة”، وتم إعادة تشكيل السياسات الخارجية لهذه الدول وفقا لأولويات الأمن الإسرائيلي أكثر مما هي مبنية على مبادئ التضامن العربي أو القيم الإسلامية. هذا التحول انعكس بوضوح في طريقة تعاطي الإعلام الرسمي مع العدوان الإسرائيلي؛ حيث تغيب صور الضحايا الفلسطينيين، ويُكتفى بنقل تقارير غربية أو إسرائيلية باردة، دون أي تغطية ميدانية أو خطاب تعبوي أو إدانة شعبية حقيقية.

إن هذا الانحراف في الموقف العربي الرسمي له تبعات نفسية وسياسية خطيرة. فمن جهة، يشعر الفلسطينيون بأنهم تُركوا وحدهم في مواجهة آلة عسكرية لا ترحم، ومن جهة أخرى، يتعرض الرأي العام العربي لحالة من التخدير والتطبيع الوجداني مع مشاهد القتل والدمار، إلى درجة أن الصرخة الأخلاقية خرجت من الداخل الإسرائيلي قبل أن يعلو صوت أي زعيم عربي.

وبينما يستمر الاحتلال في عدوانه على غزة، وتُدمّر المدارس والمستشفيات، وتُقتل الأسر كاملة في مخيمات اللجوء، نرى بعض القنوات الرسمية في الدول المطبّعة تبث حفلات موسيقية وبرامج ترفيهية وكأن شيئا لم يكن. هذه الازدواجية في المعايير ليست مجرد خيانة للدم الفلسطيني، بل هي انهيار أخلاقي شامل لمفاهيم السيادة والهوية والتضامن.

وعلى الصعيد الدولي، صدرت إدانات عديدة للعمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة، لكن هذه الإدانات لم تترجم إلى إجراءات فعالة لوقف العدوان أو محاسبة المسؤولين عنه. وتستمر إسرائيل في عملياتها رغم صدور قرارات من مجلس الأمن بوقف إطلاق النار، ورغم مثولها أمام محكمة العدل الدولية بتهمة ارتكاب إبادة جماعية.

ختاماً، تصريحات الأكاديمي الإسرائيلي هاليفي وأمثاله من الأصوات الناقدة داخل إسرائيل تسلط الضوء على المأساة الإنسانية في غزة، وتكشف عن فشل السياسات العسكرية في تحقيق الأمن والسلام وتفضح الصمت والتواطؤ المباشر أو الغير مباشر للدول العربية مع الاحتلال. ومع ذلك في ظل هذا الواقع، تبرز الحاجة الشديدة إلى صحوة عربية تدعم موقف عربي موحد داعم وحامي للشعب الفلسطيني، ويضغط على المجتمع الدولي لاتخاذ إجراءات فعالة لوقف العدوان ومحاسبة المسؤولين عنه.

المصدر: مسقط 24

→ السابق

غزة في فكر نايف بن نهار: مقاومة الروح في مواجهة المتصهينين

التالي ←

وفد جامعة السلطان قابوس يختتم زيارة أكاديمية إلى روسيا

اترك تعليقاََ

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

الأكثر قراءة