الدعم الأمريكي لإسرائيل: بوادر زلزال في العلاقة الاستراتيجية

الدعم الأمريكي لإسرائيل1

منذ إعلان الغرب عن تأسيس “دولة الاحتلال الإسرائيلي”، شكل الدعم الأمريكي لإسرائيل إحدى ثوابت السياسة الخارجية الأمريكية، عبر مساعدات عسكرية ضخمة، غطاء دبلوماسي في المحافل الدولية، وتيارات إعلامية وشعبية تميل في كثير من الأحيان إلى الرواية الإسرائيلية، لكن الأيام الأخيرة تشهد ارتدادات قوية لهذا الدعم القديم.

استطلاعات الرأي تشير إلى تحول ملحوظ في المزاج الشعبي تجاه إسرائيل:

  • وفق مركز بيو، فإن 59٪ من الأمريكيين يحملون نظرة سلبية للحكومة الإسرائيلية، فيما 39٪ يرون أن إسرائيل تجاوزت الحدود في الحرب على غزة، مقابل 31٪ قبل عام.
  • في استطلاع غالوب أجري في يوليو 2025، ذكر أن 32٪ فقط من الأمريكيين يوافقون على الإجراءات العسكرية الإسرائيلية في غزة، مقابل ما يقرب من 60٪ يعارضونها.
  • أظهرت نتائج من “Political Republicans Favor Trump Approach to Israel-Hamas War” أن نسبة ملحوظة من الديمقراطيين (53٪) يرون أن الدعم الأمريكي لإسرائيل أصبح أكثر مما ينبغي، بينما بين المستقلين بلغت النسبة 42٪.

هذه البيانات ترسخ فكرة أن الدعم الأمريكي لإسرائيل لم يعد مألوفا أو مفهوماً ضمن معسكر واحد بل يتعرض لنقد داخلي متزايد.

لماذا يتراجع الدعم الأمريكي لإسرائيل؟

التحولات ليست محصورة في الشارع، بل تمتد إلى السياسة والمؤسسات:

مرشحون ديمقراطيون مثل عبدالرحمن السيد وزهران ممداني، تبنوا موقفا علنيا ينتقد السياسات الإسرائيلية، ما يعكس أن التردد في دعم إسرائيل أصبح جاذبا انتخابيا في بعض الدوائر.

ومن الناحية الجمهورية، انخرط عدد من الأعضاء في معارضات صريحة لشرطية العلاقة مع إسرائيل، مع انتقادات حول “شيك على بياض” ومطالبات بمراجعة الكلفة السياسية لهذا التحالف.

كذلك، تأثير اللوبي الصهيوني (مثل AIPAC) لا يزال قويا لكنه يواجه منافسة من جماعات معتدلة كـ “جي ستريت”، التي تطالب بشروط وقيود على المساعدات، وقد حظيت بدعم صريح من بعض قيادات الحزب الديمقراطي.

العوامل المحركة

عدة عوامل تجتمع لتشكيل هذا الزلل في الدعائم:

  • الكلفة الإنسانية في غزة: الصور شديدة القسوة للضحايا والدمار تثير استياء واسعا داخل المجتمع الأمريكي، بما في ذلك داخل شرائح لم تكن مناصرة للفلسطينيين تقليديا.
  • الأولوية للقضايا الداخلية: مع ارتفاع تكاليف الصحة والتعليم والبنية التحتية، يتصاعد النقاش بين الأمريكيين حول أن الأموال التي تُنفق في الشرق الأوسط قد تُستخدم لحل أزمات محلية ملحة.
  • التعب من الحروب المفتوحة: الشارع في اتجاه أكثر تحفظا على إرسال قوات أو الانخراط العسكري، ما يدفع إلى مراجعة طبيعة الدعم الأمريكي لإسرائيل من التسليح المكثف إلى صيغة أكثر حذرا.
  • بروز الأصوات الشابة: بين جيل الشباب والديمقراطيين الجدد، تأخذ الأصوات المطالبة بالتوازن بين دعم إسرائيل وضمان الحقوق الفلسطينية حيزا متزايدا.

تغييرات في الدعم الأمريكي بعد انقلاب الرأي العام على إسرائيل

هل يمكن أن يتراجع الدعم عمليا؟

حتى الآن، يظل الدعم المؤسسي في الكونغرس والإدارة قوياً:

  • في يوليو الماضي، رفض مجلس الشيوخ مشروعا لوقف مبيعات الأسلحة لإسرائيل، رغم الضغوط المتزايدة على بعض النواب.
  • رغم التراجع في الرأي العام، يستمر ضخ مليارات الدولارات كمساعدات عسكرية لإسرائيل بعد اندلاع الحرب.
  • هناك تحركات صغيرة داخل الإدارة لتنويع القنوات أو فرض رقابة أكثر حدة، لكن أي تغيير فعلي كبير يحتاج إلى دورة انتخابية على الأقل للتبلور.
  • ما تغير فعليا هو أن معايير الدعم بدأت تُطرح علنًا للنقاش، وأن الدعم الأمريكي لإسرائيل بات مشروطًا أكثر، لا سيما في الأوساط الديمقراطية.

سيناريوهات محتملة 

  1. مراجعة المساعدات العسكرية: قد تشهد السنوات المقبلة خفضا تدريجيا أو توجيها نحو أنظمة دفاعية أو أنشطة أقل عدائية.
  2. شروط على الشفافية والمحاسبة: مساءلة إسرائيل على الانتهاكات، شمول رقابة الكونغرس وفرض شروط إنسانية على الدعم.
  3. تحولات دبلوماسية جزئية: إدارة مستقبلية قد تتحوّل إلى نهج أقل انحيازا، أو تحاول الدفع نحو تسوية سياسية.
  4. بقاء الأساس الاستراتيجي: رغم التحولات، يظل التوازن الأمني في الشرق الأوسط ذا أهمية استراتيجية للولايات المتحدة، فتتم مراعاته حتى في حال التراجع النسبي.

ختاماً، بعد عقود من الدعم المستقر شبه المطلق، بدأ الدعم الأمريكي لإسرائيل يدخل في مرحلة مراجعة وبحث جدي، مدفوعا بتحولات في الرأي العام والضغوط الدولية والانشغالات المحلية. واقع الأمر ليس تغييرا فوريا في السياسات، لكنه بداية لزمن قد يتباعد فيه الحليف القديم عن السياسات غير المشروطة، أو يجبر على تقديم تنازلات أكبر تحت ضغط الشارع والنواب. مفتاح التغيير يكمن في ما ستفعله الإدارات والكنغرس في المستقبل، وهل سيتغر الدعم المطلق أم ستبقى العلاقة القديمة تتحكم رغم الضغوط.

المصدر: مسقط 24

→ السابق

قطر تؤكد أن نجاح وقف إطلاق النار في غزة مسؤولية جماعية

التالي ←

صمود المقاومة الكبير يُفشل أهداف الاحتلال ويفرض وقف النار

اترك تعليقاََ

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

الأكثر قراءة